الصفة الأولى : قوله :﴿مِّنْ أَنفُسِكُمْ﴾ وفي تفسيره وجوه : الأول : يريد أنه بشر مثلكم كقوله :﴿أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إلى رَجُلٍ مّنْهُمْ﴾ [ يونس : ٢ ] وقوله :﴿إِنَّمَا أَنَاْ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ﴾ [ فصلت : ٦ ] والمقصود أنه لو كان من جنس الملائكة لصعب الأمر بسببه على الناس، على ما مر تقريره في سورة الأنعام.
والثاني :﴿مِّنْ أَنفُسِكُمْ﴾ أي من العرب قال ابن عباس : ليس في العرب قبيلة إلا وقد ولدت النبي عليه السلام بسبب الجدات، مضرها وربيعها ويمانيها، فالمضريون والربيعيون هم العدنانية، واليمانيون هم القحطانية ونظيره قوله تعالى :﴿لَقَدْ مَنَّ الله عَلَى المؤمنين إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مّنْ أَنفُسِهِمْ﴾ [ آل عمران : ١٦٤ ] والمقصود منه ترغيب العرب في نصرته، والقيام بخدمته، كأنه قيل لهم : كل ما يحصل له من الدولة والرفعة في الدنيا فهو سبب لعزكم ولفخركم، لأنه منكم ومن نسبكم.
والثالث :﴿مِّنْ أَنفُسِكُمْ﴾ خطاب لأهل الحرم، وذلك لأن العرب كانوا يسمون أهل الحرم أهل الله وخاصته، وكانوا يخدمونهم ويقومون بإصلاح مهماتهم فكأنه قيل للعرب : كنتم قبل مقدمه مجدين مجتهدين في خدمة أسلافه وآبائه، فلم تتكاسلون في خدمته مع أنه لا نسبة له في الشرف والرفعة إلى أسلافه ؟
والقول الرابع : أن المقصود من ذكر هذه الصفة التنبيه على طهارته، كأنه قيل : هو من عشيرتكم تعرفونه بالصدق والأمانة والعفاف والصيانة، وتعرفون كونه حريصاً على دفع الآفات عنكم وإيصال الخيرات إليكم، وإرسال من هذه حالته وصفته يكون من أعظم نعم الله عليكم.
وقرىء ﴿مِّنْ أَنفُسِكُمْ﴾ أي من أشرفكم وأفضلكم، وقيل : هي قراءة رسول الله وفاطمة وعائشة رضي الله عنهما.
الصفة الثانية : قوله تعالى :﴿عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ﴾ اعلم أن العزيز هو الغالب الشديد، والعزة هي الغلبة والشدة.