فإذا وصلت مشقة إلى الإنسان عرف أنه كان عاجزاً عن دفعها إذ لو قدر على دفعها لما قصر في ذلك الدفع، فحيث لم يدفعها، علم أنه كان عاجزاً عن دفعها، وأنها كانت غالبة على الإنسان.
فلهذا السبب إذا اشتد على الإنسان شيء قال : عز علي هذا، وأما العنت فيقال : عنت الرجل يعنت عنتاً إذا وقع في مشقة وشدة لا يمكنه الخروج منها، ومنه قوله تعالى :﴿ذَلِكَ لِمَنْ خَشِىَ العنت مِنْكُمْ﴾ [ النساء : ٢٥ ] وقوله :﴿وَلَوْ شَاءَ الله لأَعْنَتَكُمْ﴾ [ البقرة : ٢٢٠ ] وقال الفراء :﴿مَا﴾ في قوله :﴿مَا عَنِتُّمْ﴾ في موضع رفع، والمعنى : عزيز عليه عنتكم، أي يشق عليه مكروهكم، وأولى المكاره بالدفع مكروه عقاب الله تعالى، وهو إنما أرسل ليدفع هذا المكروه.
والصفة الثالثة : قوله :﴿حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ﴾ والحرص يمتنع أن يكون متعلقاً بذواتهم، بل المراد حريص على إيصال الخيرات إليكم في الدنيا والآخرة.
واعلم أن على هذا التقدير يكون قوله :﴿عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ﴾ معناه : شديدة معزته عن وصول شيء من آفات الدنيا والآخرة إليكم، وبهذا التقدير لا يحصل التكرار.
قال الفراء : الحريص الشحيح، ومعناه : أنه شحيح عليكم أن تدخلوا النار، وهذا بعيد، لأنه يوجب الخلو عن الفائدة.
والصفة الرابعة والخامسة : قوله :﴿بالمؤمنين رَءُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ قال ابن عباس رضي الله عنهما : سماه الله تعالى باسمين من أسمائه.
بقي ههنا سؤالان :
السؤال الأول : كيف يكون كذلك، وقد كلفهم في هذه السورة بأنواع من التكاليف الشاقة التي لا يقدر على تحملها إلا الموفق من عند الله تعالى ؟
قلنا : قد ضربنا لهذا المعنى مثل الطبيب الحاذق والأب المشفق، والمعنى : أنه إنما فعل بهم ذلك ليتخلصوا من العقاب المؤبد، ويفوزوا بالثواب المؤبد.