وقال ابن عاشور :
﴿ وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا ﴾
عطف على قوله :﴿ وإذا أنزلت سورة أن آمنوا بالله وجاهدوا مع رسوله استأذنك أولوا الطَّول منهم ﴾ [ التوبة : ٨٦ ] وهذا عود إلى بيان أحوال المنافقين وما بينهما اعتراضات.
وهذه الآية زيدت فيها ( ما ) عَقب ( إذا ) وزيادتها للتأكيد، أي لتأكيد معنى ( إذَا ) وهو الشرط، لأن هذا الخبر لغرابته كان خليقاً بالتأكيد، ولأن المنافقين ينكرون صدوره منهم بخلاف الآية السابقة لأن مضمونها حكاية استيذانهم وهم لا ينكرونه.
ولم يذكر في هذه الآية إجمال ما اشتملت عليه السور التي أنزلت كما ذكر في قوله :﴿ وإذا أنزلت سورة أن آمنوا بالله وجاهدوا مع رسوله ﴾ [ التوبة : ٨٦ ].
ووجه ذلك أن سور القرآن كلها لا تخلو عن دعاء إلى الإيمان والصالحات والإعجاز ببلاغتها.
فالمراد إذا أنزلت سورة مَّا من القرآن.
وضمير ﴿ فمنهم ﴾ عائد إلى المنافقين للعلم بالمعاد من المقام ومن أواخر الكلام في قوله :﴿ وأما الذين في قلوبهم مرض ﴾، ولما في قوله قبل هذا :﴿ قاتلوا الذين يلونكم من الكفار ﴾ [ التوبة : ١٢٣ ] من التعريض بالمنافقين كما تقدم، فالمنافقون خاطرون بذهن السامع فيكون الإتيان بضمير يعود عليهم تقوية لذلك التعريض.
وقولهم :﴿ أيكم زادته هذه إيماناً ﴾ خطاب بعضهم لبعض على سبيل التهكم بالمؤمنين وبالقرآن، لأن بعض آيات القرآن مصرحة بأن القرآن يزيد المؤمنين إيماناً قال تعالى :﴿ إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً ﴾ [ الأنفال : ٢ ].
ولعل المسلمين كانوا إذا سمعوا القرآن قالوا : قد ازددنا إيماناً، كقول معاذ بن جبل للأسود بن هلال : اجلس بنا نُؤمن ساعة، يعني بمذاكرة القرآن وأمور الدين ( رواه البخاري في كتاب الإيمان ).