وقال ابن عطية :
﴿ وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا ﴾
الضمير في قوله ﴿ بعضهم ﴾ عائد على المنافقين، والمعنى وإذا ما أنزلت سورة فيها فضيحة أسرارهم ﴿ نظر بعضهم إلى بعض ﴾ على جهة التقريب، يفهم من تلك النظرة التقرير : هل معكم من ينقل عنكم ؟ هل يراكم من أحد حين تدبرون أموركم؟ وقوله تعالى :﴿ ثم انصرفوا ﴾ معناه عن طريق الاهتداء. وذلك أنهم حين ما يبين لهم كشف أسرارهم والإعلام بمغيبات أمورهم يقع لهم لا محالة تعجب وتوقف ونظر، فلو اهتدوا لكان ذلك الوقت مظنة ذلك، فهم إذ يصممون على الكفر ويرتبكون فيه كأنهم انصرفوا عن تلك الحال التي كانت مظنة النظر الصحيح والاهتداء، وابتدىء بالفعل المسند إليهم إذ هو تعديد ذنب على ما قد بيناه، وقوله ﴿ صرف الله قلوبهم ﴾ يحتمل أن يكون دعاء عليهم، ويحتمل أن يكون خبراً أي استوجبوا ذلك ﴿ بأنهم قوم لا يفقهون ﴾ أي لا يفهمون عن الله ولا عن رسوله، وأسند الطبري في تفسير هذه الآية عن ابن عباس أنه قال : لا تقولوا انصرفنا من الصلاة فإن قوماً انصرفوا فصرف الله قلوبهم، ولكن قولوا قضينا الصلاة.
قال القاضي أبو محمد : فهذا النظر الذي في هذه الآية هو إيماء، وحكى الطبري عن بعضهم أنه قال : نظر في هذه الآية في موضع قال. أ هـ ﴿المحرر الوجيز حـ ٣ صـ ﴾
وقال ابن الجوزى :
قوله تعالى :﴿ وإذا ما أُنزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض ﴾
قال ابن عباس : كانت إذا أُنزلت سورة فيها عيب المنافقين، وخطبهم رسول الله ﷺ وعرَّض بهم في خطبته، شق ذلك عليهم، ونظر بعضهم إلى بعض يريدون الهرب، يقولون :﴿ هل يراكم من أحد ﴾ من المؤمنين إن قمتم؟ فإن لم يرهم أحد، خرجوا من المسجد.
قال الزجاج : كأنهم يقولون ذلك إيماءً لئلا يعلم بهم أحد، ﴿ ثم انصرفوا ﴾ عن المكان، وجائز عن العمل بما يسمعون.
وقال الحسن : ثم انصرفوا على عزم التكذيب بمحمد ﷺ وبما جاء به.
قوله تعالى :﴿ صرف الله قلوبهم ﴾ قال ابن عباس : عن الإيمان.
وقال الزجاج : أضَلَّهم مجازاة على فعلهم. أ هـ ﴿زاد المسير حـ ٣ صـ ﴾