قال ابن العربي : وهذا فيه نظر وما أظنه بصحيح ؛ فإن نظام الكلام أن يقال : لا يقل أحد انصرفنا من الصلاة ؛ فإن قوماً قيل فيهم :﴿ ثُمَّ انصرفوا صَرَفَ الله قُلُوبَهُم ﴾.
أخبرنا محمد بن عبد الملك القَيْسِيّ الواعظ حدّثنا أبو الفضل الجوهري سماعاً منه يقول : كنا في جنازة فقال المنذر بها : انصرفوا رحمكم الله! فقال : لا يقل أحد انصرفوا فإن الله تعالى قال في قوم ذمهم :﴿ ثُمَّ انصرفوا صَرَفَ الله قُلُوبَهُم ﴾ ولكن قولوا : انقلبوا رحمكم الله ؛ فإن الله تعالى قال في قوم مدحهم :﴿ فانقلبوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ الله وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سواء ﴾ [ آل عمران : ١٧٤ ].
الثالثة أخبر الله سبحانه وتعالى في هذه الآية أنه صارف القلوب ومصرفها وقالبها ومقلّبها ؛ رداً على القدرية في اعتقادهم أن قلوب الخلق بأيديهم وجوارحهم بحُكمهم، يتصرفون بمشيئتهم ويحكمون بإرادتهم واختيارهم ؛ ولذلك قال مالك فيما رواه عنه أشهب : ما أبين هذا في الرد على القدرية ﴿ لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الذي بَنَوْاْ رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ ﴾.
وقوله عز وجل لنوح :﴿ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ ﴾ [ هود : ٣٦ ] فهذا لا يكون أبداً ولا يرجع ولا يزول. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٨ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon