قل: يأيها الناس إن كنتم في شك من ديني فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله. ولكن أعبد الله الذي يتوفاكم، وأمرت أن أكون من المؤمنين. وأن أقم وجهك للدين حنيفا، ولا تكونن من المشركين. ولا تدع من دون الله مالا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذن من الظالمين. وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو، وإن يردك بخير فلا راد لفضله، يصيب به من يشاء من عباده، وهو الغفور الرحيم.. قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم. فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه، ومن ضل فإنما يضل عليها، وما أنا عليكم بوكيل. واتبع ما يوحى إليك واصبر حتى يحكم الله، وهو خير الحاكمين..
وبهذه المفاصلة تختم السورة ويختم هذا الحشد من المؤثرات التي سقنا نماذج منها لا تستقصي ما في السورة من هذا المنهج القرآني الفريد في مخاطبة القلوب والعقول.
هذه السورة نزلت بعد سورة الإسراء. وقد حمي الجدل من المشركين حول صدق الوحي، وحول هذا القرآن، وما يواجههم به من تسفيه لعقائدهم، ومن تنديد بجاهليتهم، ومن كشف لما في كيانها من تناقض واضح. تناقض بين ما يعتقدونه من أن الله - سبحانه - هو الخالق الرازق، المحيي المميت، المدبر المتصرف في كل شيء، القادر على كل شيء - وهي الجذور الباقية من حنيفية إبراهيم وإسماعيل - عليهما السلام - وبين ما يدعونه لله سبحانه من الولد، حيث كانوا يدعون أن الملائكة بنات الله، ويتخذونهم شفعاء عند الله، ويعبدون تماثيلهم من الأصنام على هذا الاعتبار ! ثم ما ينشأ عن هذا الاضطراب العقيدي من آثار في حياتهم ; وفي أوله ما كان يزاوله الكهان والرؤساء فيهم من تحريم وتحليل في الثمار والأنعام ; وجعل نصيب منها لله ونصيب لآلهتهم المدعاة !