وواضح من المقتطفات التي سبقت من نصوص السورة - في هذا التقديم - أن القضية الأساسية التي يتكئ عليها السياق كله هي قضية الألوهية والعبودية، وتجلية حقيقتهما، وبيان مقتضيات هذه الحقيقة في حياة الناس. أما سائر القضايا الأخرى التي تعرضت لها السورة كقضية الوحي، وقضية الآخرة، وقضية الرسالات السابقة.. فقد جاءت في صدد إيضاح تلك الحقيقة الكبرى وتعميقها وتوسيع مدلولها ; وبيان مقتضياتها في حياة البشر واعتقادهم وعبادتهم وعملهم.
والواقع أن تلك القضية الكبرى هي قضية القرآن كله، وقضية القرآن المكي بصفة خاصة. فتعريف الألوهية الحقة ; وبيان خصائصها من الربوبية والقوامة والحاكمية ; وتعريف العبودية وحدودها التي لا تتعداها ; والوصول من هذا كله إلى تعبيد الناس لإلههم الحق ; واعترافهم بالربوبية والقوامة والحاكمية له وحده.. هذا هو الموضوع الرئيسي للقرآن كله.. وما وراءه إن هو إلا بيان لمقتضيات هذه الحقيقة الكبيرة في حياة البشر بكل جوانبها.
وهذه الحقيقة الكبيرة تستحق - عند التأمل العميق - كل هذا البيان الذي هو موضوع هذا القرآن.. تستحق أن يرسل الله من أجلها رسله جميعا، وأن ينزل بها كتبه جميعا: (وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون)..
إن حياة البشر في الأرض لا تستقيم إلا إذا استقامت هذه الحقيقة في اعتقادهم وتصورهم، واستقامت كذلك في حياتهم وواقعهم.