قوله :﴿تِلْكَ﴾ يحتمل أن يكون إشارة إلى ما في هذه السورة من الآيات، ويحتمل أن يكون إشارة إلى ما تقدم هذه السورة من آيات القرآن، وأيضاً فالكتاب الحكيم يحتمل أن يكون المراد منه هو القرآن، ويحتمل أن يكون المراد منه غير القرآن، وهو الكتاب المخزون المكنون عند الله تعالى الذي منه نسخ كل كتاب، كما قال تعالى :﴿إِنَّهُ لَقُرْءانٌ كَرِيمٌ فِى كتاب مَّكْنُونٍ﴾ [ الواقعة : ٧٧، ٧٨ ] وقال تعالى :﴿بَلْ هُوَ قُرْءانٌ مَّجِيدٌ فِى لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ﴾ [ البروج : ٢٢ ] وقال :﴿وَإِنَّهُ فِى أُمّ الكتاب لَدَيْنَا لَعَلِىٌّ حَكِيمٌ﴾ [ الزخرف : ٤ ] وقال :﴿يَمْحُوْا الله مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الكتاب﴾ [ الرعد : ٣٩ ].
وإذا عرفت ما ذكرنا من الاحتمالات تحصل ههنا حينئذ وجوه أربعة من الاحتمالات :
الاحتمال الأول : أن يقال : المراد من لفظة ﴿تِلْكَ﴾ الإشارة إلى الآيات الموجودة في هذه السورة، فكان التقدير تلك الآيات هي آيات الكتاب الحكيم الذي هو القرآن، وذلك لأنه تعالى وعد رسوله عليه الصلاة والسلام أن ينزل عليه كتاباً لا يمحوه الماء، ولا يغيره كرور الدهر، فالتقدير أن تلك الآيات الحاصلة في سورة ﴿الر﴾ هي آيات ذلك الكتاب المحكم الذي لا يمحوه الماء.
الاحتمال الثاني : أن يقال : المراد أن تلك الآيات الموجودة في هذه السورة هي آيات الكتاب المخزون المكنون عند الله.
واعلم أن على هذين القولين تكون الإشارة بقولنا :﴿تِلْكَ﴾ إلى آيات هذه السورة وفيه إشكال، وهو أن ﴿تِلْكَ﴾ يشار بها إلى الغائب، وآيات هذه السورة حاضرة، فكيف يحسن أن يشار إليه بلفظ ﴿تِلْكَ ﴾.
واعلم أن هذا السؤال قد سبق مع جوابه في تفسير قوله تعالى :﴿الم ذلك الكتاب﴾ [ البقرة : ١، ٢ ].