الاحتمال الثالث والرابع : أن يقال : لفظ ﴿تِلْكَ﴾ إشارة إلى ما تقدم هذه السورة من آيات القرآن، والمراد بها : هي آيات القرآن الحكيم، والمراد أنها هي آيات ذلك الكتاب المكنون المخزون عند الله تعالى، وفي الآية قولان آخران : أحدهما : أن يكون المراد من ﴿الكتاب الحكيم﴾ التوراة والإنجيل، والتقدير : أن الآيات المذكورة في هذه السورة هي الآيات المذكورة في التوراة والإنجيل، والمعنى : أن القصص المذكورة في هذه السورة موافقة للقصص المذكورة في التوراة والإنجيل، مع أن محمداً عليه الصلاة والسلام ما كان عالماً بالتوراة والإنجيل، هذه الموافقة لا يمكن إلا إذا خص الله تعالى محمداً بإنزال الوحي عليه.
والثاني : وهو قول أبي مسلم : أن قوله :﴿الر﴾ إشارة إلى حروف التهجي، فقوله :﴿الر تِلْكَ ءايات الكتاب﴾ يعني هذه الحروف هي الأشياء التي جعلت علامات لهذا الكتاب الذي آيات به وقع التحدي.
فلولا امتياز هذا الكتاب عن كلام الناس بالوصف المعجز، وإلا لكان اختصاصه بهذا النظم، دون سائر الناس القادرين على التلفظ بهذه الحروف محالاً.
المسألة الثانية :
في وصف الكتاب بكونه حكيماً وجوه : الأول : أن الحكيم هو ذو الحكمة بمعنى اشتمال الكتاب على الحكمة.
الثاني : أن يكون المراد وصف الكلام بصفة من تكلم به.
قال الأعشى :
وغريبة تأتي الملوك حكيمة.. قد قلتها ليقال من ذا قالها
الثالث : قال الأكثرون ﴿الحكيم﴾ بمعنى الحاكم، فعيل بمعنى فاعل دليله قوله تعالى :﴿وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الكتاب بالحق لِيَحْكُمَ بَيْنَ الناس﴾ [ البقرة : ٢١٣ ] فالقرآن كالحاكم في الاعتقادات لتميز حقها عن باطلها، وفي الأفعال لتميز صوابها عن خطئها، وكالحاكم على أن محمداً صادق في دعوى النبوة، لأن المعجزة الكبرى لرسولنا عليه الصلاة والسلام، ليست إلا القرآن الرابع : أن ﴿الحكيم﴾ بمعنى المحكم.