وَمِمَّا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ مُخَالِفًا لِمَا عِنْدَ النَّصَارَى مِنْ عَقِيدَةِ الْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ أَنَّ الْإِنْسَانَ فِي الْحَيَاةِ الْآخِرَةِ يَكُونُ إِنْسَانًا كَمَا كَانَ فِي الدُّنْيَا، إِلَّا أَنَّ أَصْحَابَ الْأَنْفُسِ الزَّكِيَّةِ وَالْأَرْوَاحِ الْعَالِيَةِ يَكُونُونَ أَكْمَلَ أَرْوَاحًا وَأَجْسَادًا مِمَّا كَانُوا بِتَزْكِيَةِ أَنْفُسِهِمْ فِي الدُّنْيَا، وَأَصْحَابَ الْأَنْفُسِ الْخَبِيثَةِ وَالْأَرْوَاحِ السَّافِلَةِ يَكُونُونَ أَنْقَصَ وَأَخْبَثَ مِمَّا كَانُوا بِتَدْسِيَةِ أَنْفُسِهِمْ فِي الدُّنْيَا، وَيُعْلَمُ مِمَّا ثَبَتَ
عَنْ قُدَمَاءِ الْمِصْرِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْأَقْدَمِينَ أَنَّ الْأَدْيَانَ الْقَدِيمَةَ كَانَتْ تُعْلِمُ النَّاسَ عَقِيدَةَ الْبَعْثِ بِالرُّوحِ وَالْجَسَدِ.
وَلَوْ كَانَ الْبَعْثُ لِلْأَرْوَاحِ وَحْدَهَا لَنَقَصَ مِنْ مَلَكُوتِ اللهِ تَعَالَى هَذَا النَّوْعُ الْكَرِيمُ الْمُكَرَّمُ مِنَ الْخَلْقِ الْمُؤَلَّفِ مِنْ رُوحٍ وَجَسَدٍ، فَهُوَ يُدْرِكُ اللَّذَّاتِ الرُّوحِيَّةَ وَاللَّذَّاتِ الْجُثْمَانِيَّةَ، وَيَتَحَقَّقُ بِحِكَمِ اللهِ (جَمْعُ حِكْمَةٍ) وَأَسْرَارِ صُنْعِهِ فِيهِمَا مَعًا، مِنْ حَيْثُ حَرَمَ الْحَيَوَانَ وَالنَّبَاتَ مِنَ الْأُولَى وَالْمَلَائِكَةَ مِنَ الثَّانِيَةِ، وَمَا جَنَحَ مَنْ جَنَحَ مِنْ أَصْحَابِ النَّظَرِيَّاتِ الْفَلْسَفِيَّةِ إِلَى الْبَعْثِ الرُّوحَانِيِّ الْمُجَرِّدِ، إِلَّا لِاحْتِقَارِهِمْ لِلَّذَّاتِ الْجَسَدِيَّةِ