وإذا كان الأمر كذلك كان إرسال الرسول أمراً غير ممتنع، بل كان مجوزاً في العقول.
الثاني : أنه تعالى خلق الخلق للاشتغال بالعبودية كما قال :﴿وَمَا خَلَقْتُ الجن والإنس إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾ [ الذاريات : ٥٦ ] وقال :﴿إِنَّا خَلَقْنَا الإنسان مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ﴾ [ الإنسان : ٢ ] وقال :﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن تزكى وَذَكَرَ اسم رَبّهِ فصلى﴾ [ الأعلى : ١٤، ١٥ ] ثم إنه تعالى أكمل عقولهم ومكنهم من الخير والشر، ثم علم تعالى أن عباده لا يشتغلون بما كلفوا به، إلا إذا أرسل إليهم رسولاً ومنبهاً.
فعند هذا يجب وجوب الفضل والكرم والرحمة أن يرسل إليهم ذلك الرسول، وإذا كان ذلك واجباً فكيف يتعجب منه.
الثالث : أن إرسال الرسل أمر ما أخلى الله تعالى شيئاً من أزمنة وجود المكلفين منه، كما قال :﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِى إِلَيْهِمْ﴾ [ يوسف : ١٠٩ ] فكيف يتعجب منه مع أنه قد سبقه النظير، ويؤكده قوله تعالى :﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إلى قَوْمِهِ﴾ [ الأعراف : ٥٩ ] وسائر قصص الأنبياء عليهم السلام.
الرابع : أنه تعالى إنما أرسل إليهم رجلاً عرفوا نسبه وعرفوا كونه أميناً بعيداً عن أنواع التهم والأكاذيب ملازماً للصدق والعفاف.