[ النازعات : ٢٧، ٢٨ ] فذكر أولاً أنه بناها، ثم ذكر ثانياً أنه رفع سمكها فسواها.
وكذلك ههنا.
ذكر بقوله :﴿خَلَقَ * السموات والأرض﴾ أنه خلق ذواتها ثم ذكر بقوله :﴿ثُمَّ استوى عَلَى العرش﴾ أنه قصد إلى تعريشها وتسطيحها وتشكيلها بالأشكال الموافقة لها.
والقول الثاني : وهو القول المشهور لجمهور المفسرين : أن المراد من العرش المذكور في هذه الآية : الجسم العظيم الذي في السماء، وهؤلاء قالوا إن قوله تعالى :﴿ثُمَّ استوى عَلَى العرش﴾ لا يمكن أن يكون معناه أنه تعالى خلق العرش بعد خلق السموات والأرضين بدليل أنه تعالى قال في آية أخرى ﴿وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الماء﴾ [ هود : ٧ ] وذلك يدل على أن تكوين العرش سابق على تخليق السموات والأرضين.
بل يجب تفسير هذه الآية بوجوه أخر.
وهو أن يكون المراد : ثم يدبر الأمر وهو مستو على العرش.
والقول الثالث : أن المراد من العرش الملك، يقال فلان ولي عرشه أي ملكه فقوله :﴿ثُمَّ استوى عَلَى العرش﴾ المراد أنه تعالى لما خلق السموات والأرض واستدارت الأفلاك والكواكب، وجعل بسبب دورانها الفصول الأربعة والأحوال المختلفة من المعادن والنبات والحيوانات، ففي هذا الوقت قد حصل وجود هذه المخلوقات والكائنات.
والحاصل أن العرش عبارة عن الملك، وملك الله تعالى عبارة عن وجود مخلوقاته، ووجود مخلوقاته إنما حصل بعد تخليق السموات والأرض، لا جرم صح إدخال حرف ﴿ثُمَّ﴾ الذي يفيد التراخي على الاستواء على العرش والله أعلم بمراده.
المسألة الرابعة :
أما قوله :﴿يُدَبّرُ الأمر﴾ معناه أنه يقضي ويقدر على حسب مقتضى الحكمة ويفعل ما يفعله المصيب في أفعاله، الناظر في أدبار الأمور وعواقبها، كي لا يدخل في الوجود ما لا ينبغي.
والمراد من ﴿الأمر﴾ الشأن يعني يدبر أحوال الخلق وأحوال ملكوت السموات والأرض.
فإن قيل : ما موقع هذه الجملة ؟