ثم إنه تعالى لما قرر هذه الدلائل ختمها بقوله :﴿مَا خَلَقَ الله ذلك إِلاَّ بالحق﴾ ومعناه أنه تعالى خلقه على وفق الحكمة ومطابقة المصلحة، ونظيره قوله تعالى في آل عمران :
﴿وَيَتَفَكَّرُونَ فِى خَلْقِ السموات والأرض رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا باطلا سبحانك﴾ [ آل عمران : ١٩١ ] وقال في سورة آخرى :﴿وَمَا خَلَقْنَا السماء والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا باطلا ذلك ظَنُّ الذين كَفَرُواْ﴾ [ ص : ٢٧ ] وفيه مسائل :
المسألة الأولى :
قال القاضي : هذه الآية تدل على بطلان الجبر، لأنه تعالى لو كان مريداً لكل ظلم، وخالقاً لكل قبيح، ومريداً لإضلال من ضل، لما صح أن يصف نفسه بأنه ما خلق ذلك إلا بالحق.
المسألة الثانية :
قال حكماء الإسلام : هذا يدل على أنه سبحانه أودع في أجرام الأفلاك والكواكب خواص معينة وقوى مخصوصة، باعتبارها تنتظم مصالح هذا العالم السفلي.
إذ لو لم يكن لها آثار وفوائد في هذا العالم، لكان خلقها عبثاً وباطلاً وغير مفيد، وهذه النصوص تنافي ذلك، والله أعلم.
ثم بين تعالى أنه يفصل الآيات، ومعنى التفصيل هو ذكر هذه الدلائل الباهرة، واحداً عقيب الآخر، فصلاً فصلاً مع الشرع والبيان.
وفي قوله :﴿نُفَصّلُ﴾ قراءتان : قرأ ابن كثير وأبو عمرو وحفص عن عاصم ﴿يُفَصّلُ﴾ بالياء، وقرأ الباقون بالنون.
ثم قال :﴿لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ وفيه قولان : الأول : أن المراد منه العقل الذي يعم الكل.
والثاني : أن المراد منه من تفكر وعلم فوائد مخلوقاته وآثار إحسانه، وحجة القول الأول : عموم اللفظ، وحجة القول الثاني : أنه لا يمتنع أن يخص الله سبحانه وتعالى العلماء بهذا الذكر، لأنهم هم الذين انتفعوا بهذه الدلائل، فجاء كما في قوله :﴿إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يخشاها﴾ [ النازعات : ٤٥ ] مع أنه عليه السلام كان منذراً للكل. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٧ صـ ٢٧ ـ ٣١﴾