قال تعالى :﴿وَهُوَ الذى يتوفاكم باليل وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بالنهار﴾ [ الأنعام : ٦٠ ] ثم ذكر عقيبه أمر الموت والبعث، فقال :﴿وَهُوَ القاهر فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حتى إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الموت تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرّطُونَ ثُمَّ رُدُّواْ إلى الله مولاهم الحق﴾ [ الأنعام : ٦١، ٦٢ ] وقال في آية أخرى ﴿الله يَتَوَفَّى الأنفس حِينَ مِوْتِهَا والتى لَمْ تَمُتْ فِى مَنَامِهَا﴾ إلى قوله :﴿إِنَّ فِى ذلك لآيات لّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [ الزمر : ٤٢ ] والمراد منه الاستدلال بحصول هذه الأحوال على صحة البعث والحشر والنشر.
المثال السادس : أن الإحياء بعد الموت لا يستنكر إلا من حيث إنه يحصل الضد بعد حصول الضد، إلا أن ذلك غير مستنكر في قدرة الله تعالى، لأنه لما جاز حصول الموت عقيب الحياة فكيف يستبعد حصول الحياة مرة أخرى بعد الموت ؟ فإن حكم الضدين واحد.
قال تعالى مقرراً لهذا المعنى :﴿نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الموت وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ﴾ [ الواقعة : ٦٠ ] وأيضاً نجد النار مع حرها ويبسها تتولد من الشجر الأخضر مع برده ورطوبته فقال :﴿الذى جَعَلَ لَكُم مّنَ الشجر الأخضر نَاراً فَإِذَا أَنتُم مّنْه تُوقِدُونَ﴾ [ يس : ٨٠ ] فكذا ههنا، فهذا جملة الكلام في بيان أن القول بالمعاد، وحصول الحشر والنشر غير مستبعد في العقول.
المسألة الثانية :
في إقامة الدلالة على أن المعاد حق واجب.
اعلم أن الأمة فريقان منهم من يقول : يجب عقلاً أن يكون إله العالم رحيماً عادلاً منزهاً عن الإيلام والإضرار، إلا لمنافع أجل وأعظم منها، ومنهم من ينكر هذه القاعدة ويقول : لا يجب على الله تعالى شيء أصلاً، بل يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.
أما الفريق الأول : فقد احتجوا على وجود المعاد من وجوه.