وقال الشيخ الشعراوى :
﴿ إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ (٦) ﴾
وهكذا بينّ الحق اختلاف الليل عن النهار مما يؤكد أنهما وجدا معاً، وعطف عليها ﴿ وَمَا خَلَقَ الله فِي السماوات والأرض ﴾ ؛ لأنه سبحانه خلق الكون بما فيه من مقومات حياة من مأكل ومشرب وهواء، وغير ذلك، ثم سخَّر الكون كله ؛ لخدمة السيد وهو الإنسان.
ولو نظرتَ إلى مقومات الحياة لوجدت فيها احتياجات أساسية تتمثل في نفس هواء، وشراب ماء، وطعام ؛ هذه أهم احتياجات الإنسان من مقومات الحياة. ويصبر الإنسان على المأكل أكثر مما يصبر على المشرب، ويصبر على المشرب أكثر مما يصبر على نَفَس الهواء، بل ولا يملك الإنسان الصبر على نَفَس الهواء مقدار شهيق وزفير.
لذلك شاء الحق أن يملك قومٌ طعام غيرهم، لأن الجسم يمكنه أن يصبر على الطعام لمدة قد تصل إلى الشهر ويعتمد في ذلك على إذابة الدهن المتراكم بداخله، عكس ما اخترع البشر من آلات، فالسيارة لا يمكن أن تسير لمتر واحد دون وقود، أما الجسم فيتحمل لعل مَنْ يملك الطعام يخفف من القيود، أو لعل الإنسان الجائع يجد طريقه لينال ما يقتات به.
أما الماء فقد شاء الحق أن يقلل من احتكار البشر له ؛ لأن الإنسان أكثر احتياجاً للماء من الطعام.
أما الهواء فسبحانه وتعالى لم يُملِّك الهواء لأحد ؛ لأن الهواء هو العنصر الأساسي للحياة ؛ ولذلك اشتق منه لفظ النّفس، ونَفْس ونَفَس.
ولو نظرتَ إلى الهواء في الوجود كله لوجدته عامل صيانة لكل الوجود من ثبات الأرض، إلى ثبات المباني التي عليها، إلى ثبات الأبراج، إلى ثبات الجبال، كل ذلك بفعل الهواء ؛ لأن تياراته التي تحيط بجوانب كل الأشياء هي التي تثّبتها، وإنْ تخلخل الهواء في أي ناحية حول تلك المباني والجبال فهي تنهدم على الفور.