إذن : الهواء هو الذي يحفظ التوازن في الكون كله. ولذلك قلنا : إنك لو استعرضتَ ألفاظ القرآن لوجدت أن الحق سبحانه حينما يتكلم عن تصريف الرياح، فهو سبحانه يتكلم بدقَّةِ خالقٍ، بدقة إله حكيمٍ، فهو يرسل من الرياح ما فيه الرحمة، مثل قوله الحق :﴿ وَأَرْسَلْنَا الرياح لَوَاقِحَ... ﴾ [ الحجر : ٢٢ ].
لكن إذا جاء بذكر ريح ففي ذلك العقاب، مثل قوله :﴿ بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ ﴾ [ الحاقة : ٦ ].
ومثل قوله :﴿ فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُواْ هذا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا استعجلتم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأْصْبَحُواْ لاَ يرى إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي القوم المجرمين ﴾ [ الأحقاف : ٢٥ ].
لأن الرياح تأتي من كل ناحية، فتوازن الكائنات، أما الريح فهي تأتي من ناحية واحدة فتدهم ما في طريقها.
وهنا يقول سبحانه :
﴿ وَمَا خَلَقَ الله فِي السماوات والأرض ﴾ أي : أنه جاء بالمخلوقات الأخرى مجملة بعد أن جاء بذكر الشمس والقمر كآيتين منفصلتين، ثم ذكر السماوات والأرض وما فيهما من آيات أخرى : من رعد، وبرق، وسحاب، ونجوم وعناصر في الكون، كل ذلك مجمل في قوله :﴿ وَمَا خَلَقَ الله فِي السماوات والأرض ﴾ ؛ لأنه لو أراد أن يفصِّل لَذَكَرَ كثيراً من الآيات والنعم، وهو القائل :
﴿ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ الله لاَ تُحْصُوهَا... ﴾ [ إبراهيم : ٣٤ ].