وإنما وجب عليه ذلك لأنه تعالى مالك على الإطلاق وملك بالاستحقاق.
فله أن يفعل في ملكه وملكه ما شاء كما يشاء، ولأنه تعالى حكيم على الإطلاق وهو منزه عن فعل الباطل والعبث، فكل ما فعله فهو حكمة وصواب، وإذا كان كذلك فحينئذ يعلم أنه تعالى إن أبقى عليه تلك المحنة فهو عدل، وإن أزالها عنه فهو فضل، وحينئذ يجب عليه الصبر والسكوت وترك القلق والاضطراب.
وثانيها : أنه في ذلك الوقت إن اشتغل بذكر الله تعالى والثناء عليه بدلاً عن الدعاء كان أفضل، لقوله عليه السلام حكاية عن رب العزة " من شغله ذكرى عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين " ولأن الاشتغال بالذكر اشتغال بالحق، والاشتغال بالدعاء اشتغال بطلب حظ النفس، ولا شك أن الأول أفضل، ثم إن اشتغل بالدعاء وجب أن يشترط فيه أن يكون إزالته صلاحاً في الدين، وبالجملة فإنه يجب أن يكون الدين راجحاً عنده على الدنيا.
وثالثها : أنه سبحانه إذا أزال عنه تلك البلية فإنه يجب عليه أن يبالغ في الشكر وأن لا يخلو عن ذلك الشكر في السراء والضراء، وأحوال الشدة والرخاء، فهذا هو الطريق الصحيح عند نزول البلاء.
وههنا مقام آخر أعلى وأفضل مما ذكرناه، وهو أن أهل التحقيق قالوا : إن من كان في وقت وجدان النعمة مشغولاً بالنعمة لا بالمنعم كان عند البلية مشغولاً بالبلاء لا بالمبلي، ومثل هذا الشخص يكون أبداً في البلاء، أما في وقت البلاء فلا شك أنه يكون في البلاء، وأما في وقت حصول النعماء فإن خوفه من زوالها يكون أشد أنواع البلاء، فإن النعمة كلما كانت أكمل وألذ وأقوى وأفضل، كان خوف زوالها أشد إيذاء وأقوى إيحاشاً، فثبت أن من كان مشغولاً بالنعمة كان أبداً في لجة البلية.
أما من كان في وقت النعمة مشغولاً بالمنعم، لزم أن يكون في وقت البلاء مشغولاً بالمبلي.


الصفحة التالية
Icon