وإذا كان المنعم والمبلي واحداً، كان نظره أبداً على مطلوب واحد، وكان مطلوبه منزهاً عن التغير مقدساً عن التبدل ومن كان كذلك كان في وقت البلاء وفي وقت النعماء، غرقاً في بحر السعادات، واصلاً إلى أقصى الكمالات، وهذا النوع من البيان بحر لا ساحل له، ومن أراد أن يصل إليه فليكن من الواصلين إلى العين دون السامعين للأثر.
المسألة الثالثة :
اختلفوا في ﴿الإنسان﴾ في قوله :﴿وَإِذَا مَسَّ الإنسان الضر﴾ فقال بعضهم : إنه الكافر، ومنهم من بالغ وقال : كل موضع في القرآن ورد فيه ذكر الإنسان، فالمراد هو الكافر، وهذا باطل، لأن قوله :﴿يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه فَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كتابه بِيَمِينِهِ﴾ [ الانشقاق : ٦، ٧ ] لا شبهة في أن المؤمن داخل فيه، وكذلك قوله :﴿هَلْ أتى عَلَى الإنسان حِينٌ مّنَ الدهر﴾ [ الدهر : ١ ] وقوله :﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان مِن سلالة مّن طِينٍ﴾ [ المؤمنون : ١٢ ] وقوله :﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ﴾ [ ق : ١٦ ] فالذي قالوه بعيد، بل الحق أن نقول : اللفظ المفرد المحلى بالألف واللام حكمه أنه إذا حصل هناك معهود سابق انصرف إليه، وإن لم يحصل هناك معهود سابق وجب حمله على الاستغراق صوناً له عن الإجمال والتعطيل.
ولفظ ﴿الإنسان﴾ ههنا لائق بالكافر، لأن العمل المذكور لا يليق بالمسلم ألبتة.
المسألة الرابعة :
في قوله :﴿دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا﴾ وجهان :
الوجه الأول : أن المراد منه ذكر أحوال الدعاء فقوله :﴿لِجَنبِهِ﴾ في موضع الحال بدليل عطف الحالين عليه، والتقدير : دعانا مضطجعاً أو قاعداً أو قائماً.
فإن قالوا : فما فائدة ذكر هذه الأحوال ؟
قلنا : معناه : إن المضرور لا يزال داعياً لا يفتر عن الدعاء إلى أن يزول عنه الضر، سواء كان مضطجعاً أو قاعداً أو قائماً.