والوجه الثاني : أن تكون هذه الأحوال الثلاثة تعديداً لأحوال الضر، والتقدير : وإذا مس الإنسان الضر لجنبه أو قاعداً أو قائماً دعانا وهو قول الزجاج.
والأول : أصح، لأن ذكر الدعاء أقرب إلى هذه الأحوال من ذكر الضر، ولأن القول بأن هذه الأحوال أحوال للدعاء يقتضي مبالغة الإنسان في الدعاء، ثم إذا ترك الدعاء بالكلية وأعرض عنه كان ذلك أعجب.
المسألة الخامسة :
في قوله :﴿مَرَّ﴾ وجوه : الأول : المراد منه أنه مضى على طريقته الأولى / قبل مس الضر ونسي حال الجهد.
الثاني : مر عن موقف الابتهال والتضرع لا يرجع إليه كأنه لا عهد له به.
المسألة السادسة :
قوله تعالى :﴿كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إلى ضُرّ مَّسَّهُ﴾ تقديره : كأنه لم يدعنا، ثم أسقط الضمير عنه على سبيل التخفيف ونظيره قوله تعالى :﴿كَأَن لَّمْ يَلْبَثُواْ﴾ [ يونس : ٤٥ ] قال الحسن : نسي ما دعا الله فيه، وما صنع الله به في إزالة ذلك البلاء عنه :
المسألة السابعة :
قال صاحب "النظم" : قوله :﴿وَإِذَا مَسَّ الإنسان﴾ ﴿إِذَا﴾ موضوعة للمستقبل.
ثم قال :﴿فَلَمَّا كَشَفْنَا﴾ وهذا للماضي، فهذا النظم يدل على أن معنى الآية أنه هكذا كان فيما مضى وهكذا يكون في المستقبل.
فدل ما في الآية من الفعل المستقبل على ما فيه من المعنى المستقبل، وما فيه من الفعل الماضي على ما فيه من المعنى الماضي، وأقول البرهان العقلي مساعد على هذا المعنى وذلك لأن الإنسان جبل على الضعف والعجز وقلة الصبر، وجبل أيضاً على الغرور والبطر والنسيان والتمرد والعتو، فإذا نزل به البلاء حمله ضعفه وعجزه على كثرة الدعاء والتضرع، وإظهار الخضوع والانقياد، وإذا زال البلاء ووقع في الراحة استولى عليه النسيان فنسي إحسان الله تعالى إليه، ووقع في البغي والطغيان والجحود والكفران.
فهذه الأحوال من نتائج طبيعته ولوازم خلقته، وبالجملة فهؤلاء المساكين معذورون ولا عذر لهم.
المسألة الثامنة :


الصفحة التالية
Icon