وقال أبو حيان فى الآيتين :
﴿ وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا ﴾
هذا إخبار لمعاصري الرسول ( ﷺ ) وخطاب لهم بإهلاك من سلف قبلهم من الأمم بسبب ظلمهم وهو الكفر، على سبيل الردع لهم والتذكير بحال من سبق من الكفار، والوعيد لهم، وضرب الأمثال، فكما فعل بهؤلاء، يفعل بكم.
ولفظة لما مشعرة بالعلية، وهي حرف تعليق في الماضي.
ومن ذهب إلى أنها ظرف معمول لأهلكنا كالزمخشري متبعاً لغيره، فإنما يدل إذْ ذاك على وقوع الفعل في حين الظلم، فلا يكون لها إشعار إذ ذاك بالعلية.
لو قلت : جئت حين قام زيد، لم يكن مجيئك مستبباً عن قيام زيد، وأنت ترى حيثما جاءت لما كان جوابها أو ما قام مقامه متسبباً عما بعدها، فدل ذلك على صحة مذهب سيبويه من أنها حرف وجوب لوجوب.
وجاءتهم ظاهره أنه معطوف على ظلموا أي : لما حصل هذان الأمران : مجيء الرسل بالبينات، وظلمهم أهلكوا.
وقال الزمخشري : والواو في وجاءتهم للحال أي : ظلموا بالتكذيب، وقد جاءتهم رسلهم بالحجج والشواهد على صدقهم وهي المعجزات انتهى.
وقال مقاتل : البينات مخوفات العذاب، والظاهر أنّ الضمير في قوله وما كانوا عائداً على القرون، وأنه معطوف على قوله : ظلموا.
وجوّز الزمخشري أن يكون اعتراضاً لا معطوفاً قال : واللام لتأكيد النفي بمعنى : وما كانوا يؤمنون حقاً تأكيداً لنفي إيمانهم، وأن الله تعالى قد علم أنهم مصرون على كفرهم، وأنّ الإيمان مستبعد منهم والمعنى : أنّ السبب في إهلاكهم تعذيبهم الرسل، وعلم الله أنه لا فائدة في إمهالهم بعد أن ألزموا الحجة ببعثة الرسل انتهى.
وقال مقاتل : الضمير في قوله : وما كانوا ليؤمنوا، عائد على أهل مكة، فعلى قوله يكون التفاتاً، لأنه خرج من ضمير الخطاب إلى ضمير الغيبة، ويكون متسقاً مع قوله : وإذا تتلى عليهم.
والكاف في كذلك في موضع نصب أي : مثل ذلك الجزاء، وهو الإهلاك.


الصفحة التالية
Icon