وقال الآلوسى :
﴿ ثُمَّ جعلناكم خلائف فِى الأرض مِن بَعْدِهِم ﴾
فإنه صريح في أنه ابتداء تعرض لأمورهم وإن ما بين فيه مبادي أحوالهم لاختبار كيفية أعمالهم على وجه يشعر باستمالتهم نحو الإيمان والطاعة فمحال أن يكون ذلك إثر بيان منتهى أمرهم وحطابهم ببت القول باهلاكهم لكمال إجرامهم والعطف على قوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا ﴾ [ يونس : ١٣ ] لا على مَا قَبْلِهِ وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ كذلك نَجْزِي القوم المجرمين ثُمَّ جعلناكم خلائف فِى الأرض مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ } أي لنعلم أي عمل تعملون فكيف مفعول مطلق لتعلمون، وقد صرح في المغنى بأن كيف تأتي كذلك وأن منه ﴿ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ ﴾ [ الفجر : ٦ ] وليست معمولة ﴿ لِنَنظُرَ ﴾ لأن الاستفهام له الصدارة فيمنع ما قبله من العمل فيه، ولذا لزم تقديمه على عامله هنا.
وقيل : محلها النصب على الحال من ضمير ﴿ تَعْمَلُونَ ﴾ كما هو المشهور فيها إذا كان بعدها فعل نحو كيف ضرب زيد أي على أي حال تعملون الأفعال اللائقة بالاستخلاف من أوصاف الحسن، وفيه من المبالغة في الزجر عن الأعمال السيئة ما فيه، وقيل : محلها النصب على أنها مفعول به لتعملون أي أي عمل تعملون خيراً أو شراً، وقد صرحوا بمجيئها كذلك أيضاً، وجعلوا من ذلك نحو كيف ظننت زيداً، وبما ذكر فسر الزمخشري الآية، وتعقبه القطب بما تعقبه ثم قال : ولعله جعل كيف ههنا مجازاً بمعنى أي شيء لدلالة المقام عليه.


الصفحة التالية
Icon