ومن الناس من وهم في ذلك وقصر الجواب ببيان امتناع ما اقترحوه على اقتراحهم الثاني للإيذان بأن استحالة ما اقترحوه أولاً من الظهور بحيث لا حاجة إلى بيانها ولأن ما يدل على استحالة الثاني يدل على استحالة الأول بالطريق الأولى فهو بحسب المآل والحقيقة جواب عن الأمرين ﴿ إِنْ أَتَّبِعُ ﴾ أي ما اتبع فيما آتى وأذر ﴿ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَىَّ ﴾ من غير تغيير له في شيء أصلا على معنى قصر حاله عليه الصلاة والسلام على أتباع ما يوحى لا قصر اتباعه على ما يوحي إليه كما هو المتبادر من ظاهر العبارة فكأنه قيل : ما أفعل إلا اتباع ما يوحى إلي، والجملة مستأنفة بياناً لما يكون فإن من شأنه اتباع الوحي على ما هو عليه لا يستقل بشيء دونه أصلاً، وفي ذلك على ما قيل جواب لنقض مقدر وهو أنه كيف هذا وقد نسخ بعض الآيات ببعض، ورد لما عرضوا له بهذا السؤال من أن القرآن كلامه ﷺ، وكذا تقييد التبديل في الجواب بقوله :﴿ مِن تِلْقَاء نَفْسِى ﴾ لرد تعريضهم بأنه من عنده عليه الصلاة والسلام ولذلك أيضاً سماه عصياناً عظيماً مستتبعاً لعذاب عظيم بقوله عز وجل :﴿ إِنّى أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبّى عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾ وهو تعليل لمضمون ما قبله من امتناع التبديل واقتصار أمره ﷺ على أتباع الوحي أي إني أخاف إن عصيته تعالى بتعاطي التبديل والإعراض عن الوحي عذاب يوم عظيم هو يوم القيامة ويوم اللقاء الذي لا يرجونه، وفيه إيماء بأنهم استوجبوا العذاب بهذا الاقتراح لأن اقتراح ما يوجبه يستوجبه أيضاً وإن لم يكن كفعله، والتعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة لضميره عليه الصلاة والسلام لتهويل أمر العصيان وإظهار كمال نزاهته ﷺ، وفي إيراد اليوم بالتنوين التفخيمي ووصفه بعظيم ما لا يخفى ما فيه من العذاب وتفظيعه، وجوز العلامة الطيبي كون الجواب المذكور جواباً عن الاقتراحين من غير حاجة إلى شيء