فأهل الجنة لما كانوا مواظبين على هذا الذكر، لا جرم أطلق لفظ الدعوى عليها.
السادس : قال القفال : قيل في قوله :﴿لَهُمْ مَّا يَدَّعُونَ﴾ [ يس : ٥٧ ] أي ما يتمنونه، والعرب تقول : ادع ما شئت علي، أي تمن.
وقال ابن جريج : أخبرت أن قوله :﴿دعواهم فِيهَا سبحانك اللهم﴾ هو أنه إذا مر بهم طير يشتهونه قالوا ﴿سبحانك اللهم﴾ فيأتيهم الملك بذلك المشتهى، فقد خرج تأويل الآية من هذا الوجه، على أنهم إذا اشتهوا الشيء قالوا سبحانك اللهم، فكان المراد من دعواهم ما حصل في قلوبهم من التمني، وفي هذا التفسير وجه آخر هو أفضل وأشرف مما تقدم، وهو أن يكون المعنى أن تمنيهم في الجنة أن يسبحوا الله تعالى، أي تمنيهم لما يتمنونه، ليس إلا في تسبيح الله تعالى وتقديسه وتنزيهه.
السابع : قال القفال أيضاً : ويحتمل أن يكون المعنى في الدعوى ما كانوا يتداعونه في الدنيا في أوقات حروبهم ممن يسكنون إليه ويستنصرونه، كقولهم : يا آل فلان، فأخبر الله تعالى أن أنسهم في الجنة بذكرهم الله تعالى، وسكونهم بتحميدهم الله.
ولذتهم بتمجيدهم الله تعالى.
المسألة الثانية :
أن قوله :﴿سبحانك اللهم﴾ فيه وجهان :
الوجه الأول : قول من يقول : إن أهل الجنة جعلوا هذا الذكر علامة على طلب المشتهيات قال ابن جريج : إذا مر بهم طيراً اشتهوه ؛ قالوا ﴿سبحانك اللهم﴾ فيؤتون به، فإذا نالوا منه شهوتهم قالوا :﴿الحمد للَّهِ رَبّ العالمين﴾ وقال الكلبي : قوله :﴿سبحانك اللهم﴾ علم بين أهل الجنة والخدام، فإذا سمعوا ذلك من قولهم أتوهم بما يشتهون.
واعلم أن هذا القول عندي ضعيف جداً، وبيانه من وجوه : أحدها : أن حاصل هذا الكلام يرجع إلى أن أهل الجنة جعلوا هذا الذكر العالي المقدس علامة على طلب المأكول والمشروب والمنكوح، وهذا في غاية الخساسة.


الصفحة التالية
Icon