وقد أخبر الله تعالى عنهم بأنهم يذكرون هذا المعنى في قوله :﴿وَقَالُواْ الحمد للَّهِ الذى أَذْهَبَ عَنَّا الحزن إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ الذى أَحَلَّنَا دَارَ المقامة مِن فَضْلِهِ لاَ يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلاَ يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ ﴾ [ فاطر : ٣٤، ٣٥ ].
المرتبة الرابعة : من مراتب سعاداتهم قوله سبحانه وتعالى :﴿وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين﴾ وفيه مسائل :
المسألة الأولى :
قد ذكرنا أن جماعة من المفسرين حملوا هذه الكلمات العالية المقدسة على أحوال أهل الجنة بسبب الأكل والشرب.
فقالوا : إن أهل الجنة إذا اشتهوا شيئاً قالوا : سبحانك اللهم وبحمدك، وإذا أكلوا وفرغوا.
قالوا : الحمد لله رب العالمين، وهذا القائل ما ترقى نظره في دنياه وأخراه عن المأكول والمشروب، وحقيق لمثل هذا الإنسان أن يعد في زمرة البهائم.
وأما المحقون المحققون، فقد تركوا ذلك، ولهم فيه أقوال.
روى الحسن البصري عن رسول الله ﷺ أنه قال :" إن أهل الجنة يلهمون الحمد والتسبيح كما تلهمون أنفاسكم " وقال الزجاج : أعلم الله تعالى أن أهل الجنة يفتتحون بتعظيم الله تعالى وتنزيهه.
ويختتمون بشكره والثناء عليه، وأقول : عندي في هذا الباب وجوه أخر : فأحدها : أن أهل الجنة لما استسعدوا بذكر سبحانك اللهم وبحمدك، وعاينوا ما هم فيه من السلامة عن الآفات والمخافات، علموا أن كل هذه الأحوال السنية والمقامات القدسية، إنما تيسرت بإحسان الحق سبحانه وإفضاله وإنعامه، فلا جرم اشتغلوا بالحمد والثناء.
فقالوا :﴿الحمد للَّهِ رَبّ العالمين﴾ وإنما وقع الختم على هذا الكلام لأن اشتغالهم بتسبيح الله تعالى وتمجيده من أعظم نعم الله تعالى عليهم.


الصفحة التالية
Icon