لو شئتُ أن أبكي دماً لبكَيتُه... حيث لم يحُذف لفقدان الشرطِ الأخيرِ ولأن المستلزِمَ للجزاء أعني عدمَ تلاوتِه عليه الصلاة والسلام للقرآن عليهم إنما هو مشيئتُه تعالى له لا مشيئتُه لغير القرآن، والمعنى أن الأمرَ كلَّه منوطٌ بمشيئته تعالى وليس لي منه شيء قط، ولو شاء عدمَ تلاوتي له عليكم لا بأن شاء عدمَ تلاوتي له من تلقاء نفسي بل بأن يُنزِلْه عليّ ولم يأمُرْني بتلاوته كما ينبىء عنه إيثارُ التلاوة على القراءة ما تلوتُه عليكم ﴿ وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ ﴾ أي ولا أعلمَكم به بواسطتي، والتالي وهو عدمُ التلاوةِ والإدراءِ منتفٍ فينتفي المقدّم أعني مشيئتَه عدمَ التلاوة، ولا يخفى أنها مستلزمةٌ لعدم مشيئتِه التلاوة قطعاً، فانتفاؤُها مستلزمٌ لانتفائه حتماً وانتفاءُ عدمِ مشيئتِه التلاوةَ إنما يكون بتحقق مشيئةِ التلاوةِ فثبت أن تلاوتَه عليه الصلاة والسلام للقرآن بمشيئته تعالى وأمرِه، وإنما قيدنا الإدراءَ بكونه بواسطته عليه الصلاة والسلام لأن عدمَ الإعلامِ مطلقاً ليس من لوازم الشرطِ الذي هو مشيئةُ عدمِ تلاوتِه عليه السلام فلا يجوز نظمُه في سلك الجزاءِ، وفي إسناد عدمِ الإدراءِ إليه تعالى المنبىءِ عن استناد الإدراءِ إليه تعالى إيذانٌ بأنْ لا دخلَ له عليه السلام في ذلك حسبما يقتضيه المقامُ، وقرىء ولا أدرَأْنُكم ولا أدرَأَكم بالهمزة فيهما على لغة من يقول : أعطأتُ وأرضأتُ في أعطيت وأرضيتُ أو على أنه من الدرء بمعنى الدفعِ أي ولا جعلتُكم بتلاوته عليكم خصَماءَ تدرَؤُني بالجِدال، وقرىء ولا أنذرتُكم به وقرىء لأدْرَاكم بلام الجوابِ، أي لو شاء الله ما تلوتُه عليكم أنا ولأَعلَمكم به على لسان غيري، على معنى أنه الحقُّ الذي لا محيصَ عنه، لو لم أُرسل به أنا لأُرسل به غيري البتة، أو على معنى أنه تعالى يمُنّ على من يشاء فخصّني بهذه الكرامة.


الصفحة التالية
Icon