وقال أبو حيان :
﴿ وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آَيَاتِنَا ﴾
لما ذكر تعالى قوله :﴿ وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون ﴾ الآية ثم ذكر قوله :﴿ وقالوا لولا أنزل عليه آية ﴾ وذلك على سبيل التعنت أخبر أنّ هؤلاء إنما يصيرون لهذه المقالات عندما يكونون في رخاء من العيش وخلو بال، وأنّ إحسان الله تعالى قابلوه بما لا يجوز من ابتغاء المكر لآياته، وكان خليقاً بهم أن يكونوا أول من صدق بآياته.
وإعراضهم عن الآيات نظير قوله :﴿ فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه ﴾.
وسبب نزولها أنه لما دعا على أهل مكة الرسول بالجدب قحطوا سبع سنين، فأتاه أبو سفيان فقال : إدع لنا بالخصب، فإنّ أخصبنا صدقنا، فسأل الله لهم فسقوا ولم يؤمنوا، وهذه وإن كانت في الكفار فهي تتناول من العاصين من لا يؤدّي شكر الله عند زوال المكروه عنه، ولا يرتدع بذلك عن معاصيه، وذلك في الناس كثير.
تجد الإنسان يعقد عند مس الضر التوبة والتنصل من سائر المعاصي، فإذا زال عنه رجع إلى أقبح عاداته.
والرحمة هنا الغيث بعد القحط، والأمن بعد الخوف، والصحة بعد المرض، والغنى بعد الفقر، وما أشبه ذلك.
ومعنى مستهم خالطتهم حتى أحسوا بسوء أثرها فيهم، ومعنى مكر في آياتنا التكذيب بالقرآن، والشك فيه قاله الجماعة.
وقال مجاهد ومقاتل : الاستهزاء والتكذيب.
وقال أبو عبيدة : الرد والجحود.
وحكى الماوردي النفاق لأنه إظهار الإيمان وإبطان الكفر، وهو شبيه بما قال الزمخشري : إنّ المكر أخفى الكيد.
وقال ابن عطية : والمكر الاستهزاء والطعن عليها من الكفار، واطراح الشكر والخوف من العصاة انتهى.