﴿ يَا أَيُّهَا الناس ﴾ توجيهٌ للخطاب إلى أولئك الباغين للتشديد في التهديد والمبالغةِ في الوعيد ﴿ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ ﴾ الذي تتعاطَوْنه وهو مبتدأ وقوله تعالى :﴿ على أَنفُسِكُمْ ﴾ خبرُه أي عليكم في الحقيقة لا على الذين تبغون عليهم وإن ظُنَّ كذلك وقوله تعالى :﴿ مَّتَاعَ الحياة الدنيا ﴾ بيانٌ لكون ما فيه من المنفعة العاجلةِ شيئاً غيرَ معتدَ به سريعَ الزوال دائمَ الوبال، وهو نصبٌ على أنه مصدرٌ مؤكدٌ لفعل مقدر بطريق الاستئنافِ أي تتمتعون متاعَ الحياةِ الدنيا وقيل : على أنه مصدرٌ وقع موقِعَ الحال أي متمتعين بالحياة الدنيا والعاملُ هو الاستقرارُ الذي في الخبر لا نفسُ البغي لأنه يؤدي إلى الفصل بين المصدرِ ومعمولِه بالخبر ولا يخبر عن الموصولِ إلا بعد تمامِ صلتِه وأنت خبيرٌ بأنه ليس في تقييد كونِ بغيهم على أنفسهم بحال تمتعِهم بالحياة الدنيا معنىً يعتدّ به، وقيل : على أنه ظرفُ زمانٍ نحو مقدمَ الحاجِّ أي زمنَ متاعِ الحياةِ الدنيا وفيه ما مر بعينه، وقيل : على أنه مفعولٌ لفعل دل عليه المصدرُ أي تبغون متاعَ الحياة الدنيا ولا يخفى أنه لا يدل على البغي بمعنى الطلَب وجعلُ المصدر أيضاً بمعناه مما يُخلُّ بجزالة النظمِ الكريم لأن الاستئنافَ لبيان سوءِ عاقبةِ ما حُكيَ عنهم من البغي المفسّر بالإفساد المفْرطِ اللائقِ بحالهم فأيُّ مناسبةٍ بينه وبين البغي بمعنى الطلب؟ وجعلُ الأول أيضاً بمعناه مما يجب تنزيهُ ساحةِ التنزيلِ عنه وقيل : على أنه مفعولٌ له أي لأجل متاعِ الحياة الدنيا والعاملُ ما ذكر من الاستقرار، وفيه أن المعلّلَ بما ذُكر نفسُ البغي لا كونُه على أنفسهم، وقيل : العاملُ فيه فعلٌ مدلولٌ عليه بالمصدر أي تبغون لأجل متاعِ الحياةِ الدنيا على أن الجملةَ مستأنفةٌ، وقيل : على أنه مفعولٌ صريحٌ للمصدر وعلى أنفسكم ظرفٌ لغوٌ متعلقٌ به، والمرادُ بالأنفس الجنسُ والخبرُ محذوفٌ لطول الكلامِ