والتقديرُ إنما بغيُكم على أبناء جنسِكم متاعَ الحياة الدنيا محذورٌ أو ظاهرُ الفساد أو نحوُ ذلك، وفيه ما مر من ابتنائه على ما يليق بالمقام من كون البغي بمعنى الطلب.
نعم لو جُعل نصبُه على العلة أي إنما بغيُكم على أبناء جنسِكم لأجل متاعِ الحياةِ الدنيا محذورٌ كما اختاره بعضُهم لكان له وجهٌ في الجملة لكن الحقَّ الذي تقتضيه جزالةُ التنزيلِ إنما هو الأولُ وقرىء متاعُ بالرفع على أنه الخبرُ والظرفُ صلةٌ للمصدر أو خبرٌ ثانٍ لمبتدإٍ محذوفٍ أي هو متاعُ الخ، كما في قوله تعالى :﴿ إِلاَّ سَاعَةً مّن نَّهَارٍ بَلاَغٌ ﴾ أي هذا بلاغٌ فالمرادُ بأنفسهم على الوجه الأول أبناءُ جنسِهم وإنما عبّر عنهم بذلك هزاً لشفقتهم عليهم وحثاً لهم على ترك إيثارِ التمتعِ المذكورِ على حقوقهم ولا مجال للحمل على الحقيقة لأن كونَ بغيهم وَبالاً عليهم ليس بثابت عندهم حسبما يقتضيه ما حُكي عنهم ولم يُخبَر به بعدُ حتى يُجعلَ من تتمة الكلام ويجعل كوُنه متاعاً مقصودَ الإفادِة، على أن عنوانَ كونِه وبالاً عليهم قادحٌ في كونه متاعاً فضلاً عن كونه من مبادي ثبوتِه للمبتدأ كما هو المتبادرُ من السَّوْق.