وقال أبو السعود :
﴿ وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله ﴾
حكايةٌ لجناية أخرى لهم نشأتْ عنها جنايتُهم الأولى معطوفةٌ على قوله تعالى :﴿ وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ ﴾ الآية، عطفَ قصةٍ على قصة، ومن دون متعلقٌ بيعبدون ومحلُّه النصبُ على الحالية من فاعله أي متجاوزين الله سبحانه لا بمعنى تركِ عبادتِه بالكلية بل بمعنى عدم الاكتفاءِ بها وجعلها قريناً لعبادة الأصنامِ كما يُفصح عنه سياقُ النظمِ الكريم ﴿ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ ﴾ أي ما ليس من شأنه الضرُّ والنفعُ من الأصنام التي هي جمادات، وما موصولةٌ أو موصوفةٌ، وتقديمُ نفي الضررِ لأن أدنى أحكامِ العبادةِ دفعُ الضررِ الذي هو أولُ المنافع، والعبادةُ أمرٌ حادث مسبوقٌ بالعدم الذي هو مظِنّةُ الضرر فحيث لم تقدِر الأصنامُ على الضرر لم يوجد لإحداث العبادة سببٌ، وقيل : لا يضرّهم إن تركوا عبادتَها ولا ينفعهم إن عبدوها.
كان أهلُ الطائفِ يعبُدون اللاتَ وأهلُ مكةَ عزى ومَناةَ وهُبَل وإسافاً ونائلةً ﴿ وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شفعاؤنا عِندَ الله ﴾ عن النضْر بن الحارثِ إذا كان يوم القيامة يشفع لى اللاتُ. قيل : إنهم كانوا يعتقدون أن المتوليَ لكل إقليمٍ روحٌ معينٌ من أرواح الأفلاكِ فعيّنوا لذلك الروحِ صنماً معيناً من الأصنام واشتغلوا بعبادته ومقصودُهم ذلك الروحُ ثم اعتقدوا أن ذلك الروحَ يكون عند الإله الأعظمِ مشتغلاً بعبوديته وقيل : إنهم كانوا يعبدون الكواكبَ فوضعوا لها أصناماً معينة واشتغلوا بعبادتها قصداً إلى عبادة الكواكبِ، وقيل : إنهم وضعوا طلسماتٍ معينةً على تلك الأصنام ثم تقربوا إليها، وقيل : إنهم وضعوا هذه الأصنامَ على صور أنبيائِهم وأكابرِهم وزعموا أنهم متى اشتغلوا بعبادة هذه التماثيلِ فإن أولئك الأكابرَ يشفعون لهم عند الله تعالى.