فصل


قال الفخر :
﴿ وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ﴾
في الآية مسائل :
المسألة الأولى :
اعلم أنه كما شرح حال المسلمين في الآية المتقدمة، شرح حال من أقدم على السيئات في هذه الآية، وذكر تعالى من أحوالهم أموراً أربعة أولها : قوله :﴿جَزَاء سَيّئَةٍ بِمِثْلِهَا﴾ والمقصود من هذا القيد التنبيه على الفرق بين الحسنات وبين السيئات، لأنه تعالى ذكر في أعمال البر أنه يوصل إلى المشتغلين بها الثواب مع الزيادة وأما في عمل السيئات، فإنه تعالى ذكر أنه لا يجازي إلا بالمثل، والفرق هو أن الزيادة على الثواب تكون تفضلاً وذلك حسن، ويكون فيه تأكيد للترغيب في الطاعة، وأما الزيادة على قدر الاستحقاق في عمل السيئات، فهو ظلم، ولو فعله لبطل الوعد والوعيد والترهيب والتحذير، لأن الثقة بذلك إنما تحصل إذا ثبتت حكمته، ولو فعل الظلم لبطلت حكمته.
تعالى الله عن ذلك، هكذا قرره القاضي تفريعاً على مذهبه.
وثانيها : قوله :﴿وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ﴾ وذلك كناية عن الهوان والتحقير، واعلم أن الكمال محبوب لذاته، والنقصان مكروه لذاته، فالإنسان الناقص إذا مات بقيت روحه ناقصة خالية عن الكمالات، فيكون شعوره بكونه ناقصاً، سبباً لحصول الذلة والمهانة والخزي والنكال.
وثالثها : قوله :﴿مَّا لَهُمْ مّنَ الله مِنْ عَاصِمٍ﴾ واعلم أنه لا عاصم من الله لا في الدنيا ولا في الآخرة، فإن قضاءه محيط بجميع الكائنات، وقدره نافذ في كل المحدثات إلا أن الغالب على الطباع العاصية، أنهم في الحياة العاجلة مشتغلون بأعمالهم ومراداتهم.
أما بعد الموت فكل أحد يقر بأنه ليس له من الله من عاصم.
ورابعها : قوله :﴿كأنما أغشيت وجوههم قطعاً من الليل مظلماً﴾ والمراد من هذا الكلام إثبات ما نفاه عن السعداء حيث قال :﴿وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ﴾ [ يونس : ٢٦ ].


الصفحة التالية
Icon