واعلم أن حكماء الإسلام قالوا : المراد من هذا السواد المذكور ههنا سواد الجهل وظلمة الضلالة، فإن العلم طبعه طبع النور، والجهل طبعه طبع الظلمة، فقوله :﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ ضاحكة مُّسْتَبْشِرَةٌ﴾ [ عبس : ٣٩ ] المراد منه نور العلم، وروحه وبشره وبشارته، وقوله :﴿وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ﴾ [ عبس : ٤٠ ] المراد منه ظلمة الجهل وكدورة الضلالة.
المسألة الثانية :
قوله :﴿والذين كَسَبُواْ السيئات﴾ فيه وجهان : أحدهما : أن يكون معطوفاً على قوله :﴿لّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ﴾ [ يونس : ٢٦ ] كأنه قيل : للذين أحسنوا الحسنى وللذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها والثاني : أن يكون التقدير وجزاء الذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها.
على معنى أن جزاءهم أن يجازي سيئة واحدة بسيئة مثلها لا يزاد عليها، وهذا يدل على أن حكم الله في حق المحسنين ليس إلا بالفضل، وفي حق المسيئين ليس إلا بالعدل.
المسألة الثالثة :
قال بعضهم : المراد بقوله :﴿والذين كَسَبُواْ السيئات﴾ الكفار واحتجوا عليه بأن سواد الوجه من علامات الكفر، بدليل قوله تعالى :
﴿فَأَمَّا الذين اسودت وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُمْ بَعْدَ إيمانكم﴾ [ آل عمران : ١٠٦ ] وكذلك قوله :﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ أُوْلَئِكَ هُمُ الكفرة الفجرة﴾ [ عبس : ٤٠ - ٤٢ ] ولأنه تعالى قال بعد هذه الآية ﴿وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً﴾ [ يونس : ٢٨ ] والضمير في قوله :﴿هُمْ﴾ عائد إلى هؤلاء، ثم إنه تعالى وصفهم بالشرك، وذلك يدل على أن هؤلاء هم الكفار، ولأن العلم نور وسلطان العلوم والمعارف هو معرفة الله تعالى، فكل قلب حصل فيه معرفة الله تعالى لم يحصل فيه الظلمة أصلاً، وكان الشبلي رحمة الله تعالى عليه يتمثل بهذا ويقول :
كل بيت أنت ساكنه.. غير محتاج إلى السرج وجهك المأمول حجتنا