فصل
قال الفخر :
﴿ وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ ﴾
وفيه مسائل :
المسألة الأولى :
اعلم أن هذا نوع آخر من شرح فضائح أولئك الكفار، فالضمير في قوله ﴿وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ﴾ عائد إلى المذكور السابق، وذلك هو قوله :﴿والذين كَسَبُواْ السيئات﴾ [ يونس : ٢٧ ] فلما وصف الله هؤلاء الذين يحشرهم بالشرك والكفر، دل على أن المراد من قوله :﴿والذين كَسَبُواْ السيئات﴾ الكفار، وحاصل الكلام : أنه تعالى يحشر العابد والمعبود، ثم إن المعبود يتبرأ من العابد، ويتبين له أنه ما فعل ذلك بعلمه وإرادته، والمقصود منه أن القوم كانوا يقولون :﴿هَؤُلاء شفعاؤنا عِندَ الله﴾ [ يونس : ١٨ ] فبين الله تعالى أنهم لا يشفعون لهؤلاء الكفار، بل يتبرؤن منهم، وذلك يدل على نهاية الخزي والنكال في حق هؤلاء الكفار، ونظيره آيات منها قوله تعالى :﴿إِذْ تَبَرَّأَ الذين اتبعوا مِنَ الذين اتبعوا﴾ [ البقرة : ١٦٦ ] ومنها قوله تعالى :﴿ثُمَّ يَقُولُ للملائكة أَهَؤُلاَء إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ * قَالُواْ سبحانك أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمْ بَلْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ الجن﴾ [ سبأ : ٤٠، ٤١ ].
واعلم أن هذا الكلام يشير على سبيل الرمز إلى دقيقة عقلية، وهي أن ما سوى الواحد الأحد الحق ممكن لذاته، والممكن لذاته محتاج بحسب ماهيته، والشيء الواحد يمتنع أن يكون قابلاً وفاعلاً معاً، فما سوى الواحد الأحد الحق لا تأثير له في الإيجاد والتكوين، فالممكن المحدث لا يليق به أن يكون معبوداً لغيره، بل المعبود الحق ليس إلا الموجد الحق، وذلك ليس إلا الموجود الحق الذي هو واجب الوجود لذاته، فبراءة المعبود من العابدين، يحتمل أن يكون المراد منه ما ذكرناه.
والله أعلم بمراده.
المسألة الثانية :