وقال أبو حيان :
﴿ هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ ﴾
هنالك ظرف مكان أي : في ذلك الموقف والمقام المقتضي للحيرة والدهش.
وقيل : هو إشارة إلى الوقت، استعير ظرف المكان للزمان أي : في ذلك الوقت.
وقرأ الإخوان وزيد بن علي : تتلوا بتاءين أي : تتبع وتطلب ما أسلفت من أعمالها، قاله السدي.
ومنه قول الشاعر :
إن المريب يتبع المريبا...
كما رأيت الذيب يتلو الذيبا
قيل : ويصح أن يكون من التلاوة وهي القراءة أي : تقرأ كتبها التي تدفع إليها.
وقرأ باقي السبعة : تبلوا بالتاء والباء أي : تختبر ما أسلفت من العمل فتعرف كيف هو أقبيح أم حسن، أنافع أم ضار، أمقبول أم مردود؟ كما يتعرف الرجل الشيء باختباره.
وروي عن عاصم : نبلوا بنون وباء أي : نختبر.
وكل نفس بالنصب، وما أسلفت بدل من كل نفس، أو منصوب على إسقاط الخافض أي : ما أسلفت.
أو يكون نبلوا من البلاء وهو العذاب أي : نصيب كل نفس عاصية بالبلاء بسبب ما أسلفت من العمل المسيء.
وعن الحسن تبلوا تتسلم.
وعن الكلبي : تعلم.
وقيل : تذوق.
وقرأ يحيى بن وثاب : وردوا بكسر الراء، لمَّا سكن للإدغام نقل حركة الدال إلى حركة الراء بعد حذف حركتها.
ومعنى إلى الله إلى عقابه.
وقيل : إلى موضع جزائه مولاهم الحق، لا ما زعموه من أصنامهم، إذ هو المتولي حسابهم.
فهو مولاهم في الملك والإحاطة، لا في النصر والرحمة.
وقرىء الحق بالنصب على المدح نحو : الحمد لله أهل الحمد.
وقال الزمخشري : كقولك هذا عبد الله الحق لا الباطل، على تأكيد قوله : ردوا إلى الله انتهى.
وقال أبو عبد الله الرازي : وردوا إلى الله، جعلوا ملجأين إلى الإقرار بالإلهية بعد أن كانوا في الدنيا يعبدون غير الله، ولذلك قال : مولاهم الحق.
وضل عنهم أي : بطل وذهب ما كانوا يفترونه من الكذب، أو من دعواهم أنّ أصنامهم شركاء لله شافعون لهم عنده. أ هـ ﴿البحر المحيط حـ ٥ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon