الحجة الثالثة : أنه عليه السلام أخبر في القرآن عن الغيوب الكثيرة في المستقبل، ووقعت مطابقة لذلك الخبر، كقوله تعالى :﴿الم غُلِبَتِ الروم﴾ [ الروم : ١، ٢ ] الآية، وكقوله تعالى :﴿لَّقَدْ صَدَقَ الله رَسُولَهُ الرؤيا بالحق﴾ [ الفتح : ٢٧ ] وكقوله :﴿وَعَدَ الله الذين ءامَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ الصالحات لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى الارض﴾ [ النور : ٥٥ ] وذلك يدل على أن الإخبار عن هذه الغيوب المستقبلة، إنما حصل بالوحي من الله تعالى، فكان ذلك عبارة عن تصديق الذي بين يديه، فالوجهان الأولان : إخبار عن الغيوب الماضية والوجه الثالث : إخبار عن الغيوب المستقبلة، ومجموعها عبارة عن تصديق الذي بين يديه.
النوع الثاني : من الدلائل المذكورة في هذه الآية قوله تعالى :﴿وَتَفْصِيلَ كُلّ شَىْء ﴾.
واعلم أن الناس اختلفوا في أن القرآن معجز من أي الوجوه ؟ فقال بعضهم : إنه معجز لاشتماله على الإخبار عن الغيوب الماضية والمستقبلة، وهذا هو المراد من قوله :﴿تَصْدِيقَ الذى بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ ومنهم من قال : إنه معجز لاشتماله على العلوم الكثيرة، وإليه الإشارة بقوله :﴿وَتَفْصِيلَ كُلّ شَىْء﴾ وتحقيق الكلام في هذا الباب أن العلوم إما أن تكون دينية أو ليست دينية، ولا شك أن القسم الأول أرفع حالاً وأعظم شأناً وأكمل درجة من القسم الثاني.
وأما العلوم الدينية، فإما أن تكون علم العقائد والأديان، وإما أن تكون علم الأعمال.
أما علم العقائد والأديان فهو عبارة عن معرفة الله تعالى وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر.
أما معرفة الله تعالى، فهي عبارة عن معرفة ذاته ومعرفة صفات جلاله، ومعرفة صفات إكرامه، ومعرفة أفعاله، ومعرفة أحكامه، ومعرفة أسمائه والقرآن مشتمل على دلائل هذه المسائل وتفاريعها وتفاصيلها على وجه لا يساويه شيء من الكتب، بل لا يقرب منه شيء من المصنفات.


الصفحة التالية
Icon