وأما علم الأعمال فهو إما أن يكون عبارة عن علم التكاليف المتعلقة بالظواهر وهو علم الفقه.
ومعلوم أن جميع الفقهاء إنما استنبطوا مباحثهم من القرآن، وإما أن يكون علماً بتصفية الباطن أو رياضة القلوب.
وقد حصل في القرآن من مباحث هذا العلم ما لا يكاد يوجد في غيره، كقوله :
﴿خُذِ العفو وَأْمُرْ بالعرف وَأَعْرِض عَنِ الجاهلين﴾ [ الأعراف : ١٩٩ ] وقوله :﴿إِنَّ الله يَأْمُرُ بالعدل والإحسان وَإِيتَآء ذِى القربى وينهى عَنِ الفحشاء والمنكر والبغى﴾ [ النمل : ٩٠ ] فثبت أن القرآن مشتمل على تفاصيل جميع العلوم الشريفة، عقليها ونقليها، اشتمالاً يمتنع حصوله في سائر الكتب فكان ذلك معجزاً، وإليه الإشارة بقوله :﴿وَتَفْصِيلَ الكتاب ﴾.
أما قوله :﴿لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبّ العالمين﴾ فتقريره : أن الكتاب الطويل المشتمل على هذه العلوم الكثيرة لا بد وأن يشتمل على نوع من أنواع التناقض، وحيث خلي هذا الكتاب عنه، علمنا أنه من عند الله وبوحيه وتنزيله، ونظيره قوله تعالى :﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ الله لَوَجَدُواْ فِيهِ اختلافا كَثِيراً﴾ [ النساء : ٨٢ ]. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٧ صـ ٧٦ ـ ٧٨﴾