قيل : وقد يجاب أيضاً عن أصل الإشكال بأنه إنما نفى في الماضي إمكان تعلق الافتراء به في المستقبل وكونه محلاً لذلك فينتفي تعلق الافتراء بالفعل من باب أولى، وفي ذلك سلوك طريق البرهان فيكون في الكلام مجاز أصلي أو تبعي، وقد نص أبو البقاء على جواز كونه الخبر محذوفاً وأن التقدير وما كان هذا القرآن ممكناً أن يفترى، وقال العلامة ابن حجر : إن الآية جواب عن قولهم :﴿ ائت بِقُرْ إن غَيْرِ هذا أَوْ بَدّلْهُ ﴾ [ يونس : ١٥ ] وهو طلب للافتراء في المستقبل، وأما الجواب عن زعمهم أنه عليه الصلاة والسلام افتراه وحاشاه فسيأتي عند حكاية زعمهم ذلك فلا إشكال، على أن عموم تخليص أن المضارع للاستقبال في حيز المنع، لم لا يجوز أن يكون ذلك فيما عدا خبر كان المنفية كما يرشد إليه قوله سبحانه :﴿ مَا كَانَ لِلنَّبِىّ والذين ءامَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ ﴾ [ التوبة : ١١٣ ] فإنه نزل عن استغافار سبق منهم للمشركين كما قاله أئمة التفسير، وقد أطال الكلام على ذلك في ذيل فتاويه فتبصر.
﴿ ولكن تَصْدِيقَ الذى بَيْنَ يَدَيْهِ ﴾ أي من الكتب الإلهية كالتوراة والإنجيل، فالمراد من الموصول الجنس، وعنى بالتصديق بيان الصدق وهو مطابقة الواقع وإظهاره وإضافته إما لفاعله أو مفعوله، وتصديق الكتب له بأن ما فيه من العقائد الحقة مطابق لما فيها وهي مسلمة عند أهل الكتاب وما عداهم إن اعترف بها وإلا فلا عبرة به.


الصفحة التالية
Icon