وقال ابن عاشور :
﴿ وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآَنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾
لما كان الغرض الأول في هذه السورة إبطال تعجب المشركين من الإيحاء بالقرآن إلى النبي ﷺ وتبيين عدم اهتدائهم إلى آياته البينات الدالة على أنه من عند الله، وكيف لم ينظروا في أحوال الرسول الدالة على أن ما جاء به وحي من الله، وكيف سألوه مع ذلك أن يأتي بقرآن غيره أو يبدل آياته بما يوافق أهواءهم.
ثم انتقل بعد ذلك إلى سُؤَالهم أن تنزل عليه آية أخرى من عند الله غير القرآن، وتخلل ذلك كلَّه وصفُ افترائهم الكذب في دعوى الشركاء لله وإقامة الأدلة على انفراد الله بالإلهية وعلى إثبات البعث، وإنذارهم بما نال الأمم من قبلهم، وتذكيرهم بنعم الله عليهم وإمهالهم، وبيان خطئهم في اعتقاد الشرك اعتقاداً مبنياً على سوء النظر والقياس الفاسد، لا جرم عاد الكلام إلى قولهم في القرآن بإبطال رأيهم الذي هو من الظن الباطل أيضاً بقياسهم أحوالَ النبوءة والوحي بمقياس عاداتهم كما قاسُوا حقيقة الإلهية بمثل ذلك، فقارعتهم هذه الآيةُ بذكر صفات القرآن في ذاته الدالة على أنه حق من الله وتحدتهم بالإعجاز عن الإتيان بمثله.
فجملة :﴿ وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ﴾ يجوز أن تكون معطوفة على جملة :﴿ وما يتبع أكثرهم إلا ظناً ﴾ [ يونس : ٣٦ ] بمناسبة اتباعهم الظن في الأمرين : شؤون الإلهية وفي شؤون النبوءة، ويجوز أن تكون معطوفة على مجموع ما تقدم عطف الغرض على الغرض والقصة على القصة، وهو مفيد تفصيل ما أجمله ذكر الحروف المقطعة في أول السورة والجمل الثلاث التي بعد تلك الحروف.