وكأنه حمل البغي على الطلب وضمنه معنى الاشتغال أي يطلبون في الأرض مشتغلين بغير الحق سبحانه وهو المعاش الذي به قوام أبدانهم، ويشكل أمر الوعيد المنبىء به ﴿ فَنُنَبّئُكُمْ ﴾ [ يونس : ٢٣ ] الخ على هذا التأويل وما قبله لأن ما يقع في السكر لا وعيد عليه وكذا طلب المعاش، وانظر هل يصح أن يقال : إن الأمر من باب حسنات الأبرار سيآت المقربين؟ ثم أنه سبحانه مثل الحياة في سرعة زوالها وانصرام نعيمها غب اقبالها واغترار صاحبها بها بما أشار إليه سبحانه بقوله جل وعلا :﴿ كَمَا أنزلناه ﴾ [ يونس : ٢٤ ] الخ وفيه إشارة إلى ما يعرض والعياذ بالله تعالى لمن سبقت شقاوته في الأزل من الحور بعد الكور فبينما تراه وأحواله حالية وأعوامه عن شوائب الكدر خالية وغصون أنسه متدلية ورياض قربه مونقة قلب الدهر له ظهر المجن وغزاه بجيوش المحن وهبت على هاتيك الرياض عاصفات القضاء وضاقت عليه فسيحات الفضاء وذهب السرور والانس وجعل حصيداً كأن لم يغن بالأمس وأنشد لسان حاله :
قف بالديار فهذه آثارهم...
نبكي الأحبة حشرة وتشوقاً
كم قد وقفت بهنا أسائل مخبرا...
عن أهلها أو صادقاً أو مشفقاً
فأجابني داعي الهوى في رسمها...
فارقت من تهوي فعز الملتقى
﴿ للَّهُ يَدْعُو إلى دَارِ السلام ﴾ وهو العالم الروحاني السليم من الآفات
﴿ وَيَهْدِى مَن يَشَاء إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ [ يونس : ٢٥ ] لا شعوب فيه وهو طريق الوحدة.
وقد يقال : يدعو الجميع إلى داره.
ويهدي خواص العارفين إلى وصاله.