الوجه الثاني : في الجواب أن يقال : إن القوم لما اتخذوها آلهة، لا جرم عبر عنها كما يعبر عمن يعلم ويعقل، ألا ترى أنه تعالى قال :﴿إِنَّ الذين تَدْعُونَ مِن دُونِ الله عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ﴾ [ الأعراف : ١٩٤ ] مع أنها جمادات وقال :﴿إِن تَدْعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُواْ دُعَاءكُمْ﴾ [ فاطر : ١٤ ] فأجرى اللفظ على الأوثان على حسب ما يجري على من يعقل ويعلم فكذا ههنا وصفهم الله تعالى بصفة من يعقل، وإن لم يكن الأمر كذلك، الثالث : أنا نحمل ذلك على التقدير، يعني أنها لو كانت بحيث يمكنها أن تهدي، فإنها لا تهدي غيرها إلا بعد أن يهديها غيرها، وإذا حملنا الكلام على هذا التقدير فقد زال السؤال.
الرابع : أن البنية عندنا ليست شرطاً لصحة الحياة والعقل، فتلك الأصنام حال كونها خشباً وحجراً قابلة للحياة والعقل، وعلى هذا التقدير فيصح من الله تعالى أن يجعلها حية عاقلة ثم إنها تشتغل بهداية الغير.
الخامس : أن الهدى عبارة عن النقل والحركة يقال : هديت المرأة إلى زوجها هدى، إذا نقلت إليه والهدي ما يهدى إلى الحرم من النعم، وسميت الهدية هدية لانتقالها من رجل إلى غيره، وجاء فلان يهادى بين اثنين إذا كان يمشي بينهما معتمداً عليهما من ضعفه وتمايله.
إذا ثبت هذا فنقول : قوله :﴿أَم مَّنْ لاَّ يَهِدِّى إِلاَّ أَن يَهْدِى﴾ يحتمل أن يكون معناه أنه لا ينتقل إلى مكان إلا إذا نقل إليه، وعلى هذا التقدير فالمراد الإشارة إلى كون هذه الأصنام جمادات خالية عن الحياة والقدرة.
واعلم أنه تعالى لما قرر على الكفار هذه الحجة الظاهرة قال :﴿فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ يعجب من مذهبهم الفاسد ومقالتهم الباطلة أرباب العقول. أ هـ أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٧ صـ ٧٣ ـ ٧٥﴾