(إِنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا) أَيِ اللهُ تَعَالَى لَمْ يَكُنْ مِنْ شَأْنِهِ وَلَا مِنْ سُنَنِهِ فِي خَلْقِ النَّاسِ أَنْ يَنْقُصَهُمْ شَيْئًا مِنَ الْأَسْبَابِ، الَّتِي يَهْتَدُونَ بِاسْتِعْمَالِهَا إِلَى مَا فِيهِ خَيْرُهُمْ وَمَنَافِعُهُمْ مِنَ الْأَعْمَالِ الِاخْتِيَارِيَّةِ الْمُوَصِّلَةِ إِلَى سَعَادَةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَهِي الْحَوَاسُّ وَالْعَقْلُ وَسَائِرُ الْقُوَى فَالظُّلْمُ هُنَا بِمَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ الْأَصْلِيِّ، وَهُوَ نَقْصُ مَا تَقْتَضِي الْخِلْقَةُ الْكَامِلَةُ وَجُودَهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :(كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا) (١٨ : ٣٣) (وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) أَيْ يَظْلِمُونَهَا وَحْدَهَا ; لِأَنَّ عِقَابَ ظُلْمِهِمْ وَاقِعٌ عَلَيْهِمْ دُونَ غَيْرِهِمْ، فَهُمْ يَجْنُونَ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ بِمَا أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ هِدَايَاتِ الْمَشَاعِرِ وَالْعَقْلِ وَالدِّينِ، وَهُوَ عَدَمُ اسْتِعْمَالِهَا فِيمَا مَنَحَهُمْ إِيَّاهَا لِأَجْلِهِ مِنَ اتِّبَاعِ الْحَقِّ فِي الِاعْتِقَادِ وَالْهُدَى فِي الْأَعْمَالِ، وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ الْمُوَصِّلُ إِلَى سَعَادَةِ الدَّارَيْنِ، الْمُنَجِّي مِنْ عَذَابِهِمَا. وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ (وَلَكِنْ) بِتَخْفِيفِ النُّونِ وَ (النَّاسُ) بِالرَّفْعِ.


الصفحة التالية
Icon