الحجة السادسة : أن الأنبياء عليهم السلام يراهم الناس ويسمعون كلامهم، فنبوتهم ما حصلت بسبب ما معهم من الصفات المرئية، وإنما حصلت بسبب ما معهم من الأصوات المسموعة وهو الكلام وتبليغ الشرائع وبيان الأحكام، فوجب أن يكون المسموع أفضل من المرئي، فلزم أن يكون السمع أفضل من البصر، فهذا جملة ما تمسك به القائلون بأن السمع أفضل من البصر، ومن الناس من قال : البصر أفضل من السمع، ويدل عليه وجوه :
الحجة الأولى : أنهم قالوا في المثل المشهور ليس وراء العيان بيان، وذلك يدل على أن أكمل وجوه الإدراكات هو الأبصار.
الحجة الثانية : أن آلة القوة الباصرة هو النور وآلة القوة السامعة هي الهواء والنور أشرف من الهواء فالقوة الباصرة أشرف من القوة السامعة.
الحجة الثالثة : أن عجائب حكمة الله تعالى في تخليق العين التي هي محل الأبصار أكثر من عجائب خلقته في الأذن التي هي محل السماع، فإنه تعالى جعل تمام روح واحد من الأرواح السبعة الدماغية من العصب آلة للأبصار، وركب العين من سبع طبقات وثلاث رطوبات وخلق لتحريكات العين عضلات كثيرة على صور مختلفة والأذن ليس كذلك وكثرة العناية في تخليق الشيء تدل على كونه أفضل من غيره.
الحجة الرابعة : أن البصر يرى ماحصل فوق سبع سموات والسمع لا يدرك ما بعد منه على فرسخ، فكان البصر أقوى وأفضل وبهذا البيان يدفع قولهم إن السمع يدرك من كل الجوانب والبصر لا يدرك إلا من الجانب الواحد.
الحجة الخامسة : أن كثيراً من الأنبياء سمع كلام الله في الدنيا، واختلفوا في أنه هل رآه أحد في الدنيا أم لا ؟ وأيضاً فإن موسى عليه السلام سمع كلامه من غير سبق سؤال والتماس ولما سأل الرؤية قال :
﴿لَن تَرَانِى﴾ [ الأعراف : ١٤٣ ] وذلك يدل على أن حال الرؤية أعلى من حال السماع.