وقال الآلوسى :
﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ ﴾
أي لا ينقصهم ﴿ شَيْئاً ﴾ مما نيطت به مصالحهم وكمالاتهم من مبادىء الادراكات وأسباب العلوم والإرشاد إلى الحق بإرسال الرسل عليهم السلام ونصب الأدلة بل يوفيهم ذلك فضلاً منه جل شأنه وكرما ﴿ ولكن الناس أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ أي ينقصون ما ينقصون من ذلك لعدم استعمال مشاعرهم فيما خلقت له واعراضهم عن قبول الحق وتكذيبهم للرسل وترك النظر في الأدلة فشيئاً مفعول ثان ليظلم بناء على أنه مضمن معنى ينقص كما قيل أو أنه بمعناه من غير حاجة إلى القول بالتضمين كما نقول وان النقص يتعدى لاثنين كما يكون لازماً ومتعدياً لواحد، ولم يذكر ثاني مفعول الثاني لعدم تعلق الغرض به، وتقديم المفعول الأول يحتمل أن يكون لمجرد الاهتمام مع مراعاة الفاصلة من غير قصد إلى قصر المظلومية عليهم على رأي من لا يرى التقديم موجباً للقصر كابن الأثير ومن تبعه كما في قوله سبحانه :﴿ وَمَا ظلمناهم ولكن ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ ﴾ [ هود : ١٠١ ] ويحتمل أن يكون لقصر المظلومية على رأي من يرى التقديم موجباً لذلك كالجمهور ومن تبعهم، ولعل إيثار قصرها على قصر الظالمية عليهم للمبالغة في بطلان أفعالهم وسخافة عقولهم على أن قصر الأولى عليهم مستلزم كما قيل لما يقتضيه ظاهر الحال من قصر الثانية عليهم فاكتفى بالقصر الأول عن الثاني مع رعاية ما ذكر من الفائدة.
وجوز بعضهم كون ﴿ أَنفُسِهِمْ ﴾ تأكيداً للناس والمفعول حينئذ محذوف فيكون بمنزلة ضنير الفصل في قوله تعالى :﴿ وَمَا ظلمناهم ولكن كَانُواْ هُمُ الظالمين ﴾ [ الزخرف : ٧٦ ] في قصر الظالمية عليهم، والتعبير عن فعلهم ذلك بالنقص مع كونه تفويتاً بالكلية لمراعاة جانب قرينه، وصيغة المضارع للاستمرار نفياً وإثباتاً أما الثاني فظاهر وأما الأول فلأن حرف النفي إذا دخل على المضارع يفيد بحسب المقام استمرار النفي لا نفي الاستمرار كما مر غير مرة.


الصفحة التالية
Icon