وقيل : المعنى إن الله لا يظلم الناس بتعذيبهم يوم القيامة شيئاً من الظلم ولكن الناس أنفسهم يظلمون ظلماً مستمراً فإن مباشرتهم المستمرة للسيئات الموجبة للتعذيب عين ظلمهم لأنفسهم فالظلم على معناه المشهور، و﴿ شَيْئاً ﴾ مفعول مطلق والمضارع المنفى للاستقبال والمثبت للاستمرار، ومساق الآية الكريمة على الأول لالزام الحجة وعلى الثاني للوعيد وعلى الوجهين هي تذييل لما سبق، وجعلها على الأول تذييلاً لجميع التكاليف والأقاصيص المذكورة من أول السورة وإن كان متجهاً خلاف الظاهر لا سيما وما بعد ليس ابتداء مشروع في قصة آخرين.
وقيل : معنى الآية إن الله لا يظلم الناس شيئاً بسلب حواسهم وعقولهم إن سلبها لأنه تصرف في حالص ملكه ولكن الناس أنفسهم يظلمون بإفساد ذلك وصرفه لما لا يليق، وهي جواب لسؤال نشأ من الآية السابقة والظلم فيها على ظاهره أيضاً.
واستدل بها على أن للعبد كسباً وليس مسلوب الاختيار بالكلية كما ذهب إليه الجبرية والمختار عند كثير من المحققين أن نفي ظلم الناس عنه تعالى شأنه لأنه سبحانه جواد حكيم يفيض على القوابل حسب استعدادها الأزلي الثابت في العلم فما من كمال أو نقص في العبد الا هو كماله أو نقصه الذي اقتضاه استداده كما يرشد إلى ذلك قوله جل وعلا :﴿ أعطى كُلَّ شَىء خَلْقَهُ ﴾ [ طه : ٥٠ ] وقوله سبحانه :﴿ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴾ [ الشمس : ٨ ] وأن اثبات ظلم الناس لأنفسهم باعتبار اقتضاء استعدادهم الثابت في العلم الأزلي ما أفيض عليهم مما استحقوا به التعذيب.


الصفحة التالية
Icon