وقال الشيخ الشنقيطى :
قوله تعالى :﴿ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يلبثوا إِلاَّ سَاعَةً مِّنَ النهار ﴾ الآية.
بين تعالى في هذه الآية الكريمة، أن الكفار إذا حشروا استقلوا مدة مكثهم في دار الدنيا، حتى كأنها قدر ساعة عندهم، وبين هذا المعنى في مواضع أخر، كقوله في آخر « الأحقاف ». ﴿ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يلبثوا إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ ﴾ [ الأحقاف : ٣٥ ] الآية، وقوله في آخر « النازعات » :﴿ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يلبثوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا ﴾ [ النازعات : ٤٦ ]، وقوله في آخر « الرُّوم » :﴿ وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة يُقْسِمُ المجرمون مَا لَبِثُواْ غَيْرَ سَاعَةٍ ﴾ [ الروم : ٥٥ ] الآية.
وقد بينا بإيضاح في كتابنا ( دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب )، وجه الجمع بين هذه الآيات المقتضية أن الدنيا عندهم كساعة، وبين الآيات المقتضية أنها عندهم كأكثر من ذلك، كقوله تعالى :﴿ يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْراً ﴾ [ طه : ١٠٣ ] وقوله :﴿ قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ العآدين ﴾ [ المؤمنون : ١١٣ ] فانظره فيه في سورة :﴿ قَدْ أَفْلَحَ المؤمنون ﴾ [ المؤمنون : ١ ] في الكلام على قوله :﴿ قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ العآدين ﴾.
قوله تعالى :﴿ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ ﴾.
صرح في هذه الآية الكريمة : أن أهل المحشر يعرف بعضهم بعضاً فيعرف الآباء الأبناء، كالعكس، ولكنه بين في مواضع أخر أن هذه المعارفة لا أثر لها، فلا يسأل بعضهم بعضاً شيئاً، كقوله :﴿ وَلاَ يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً يُبَصَّرُونَهُمْ ﴾ [ المعارج : ١٠-١١ ]، وقوله :﴿ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصور فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ ﴾ [ المؤمنون : ١٠١ ].


الصفحة التالية
Icon