قوله :﴿ يَتَعَارَفُونَ ﴾ فيه أوجهٌ، أحدُها : أن الجملةَ في محل نصبٍ على الحال من فاعل " يَلْبثوا ". قال الحوفي :" يتعارفون " فعل مستقبلٌ في موضع الحال من الضمير في " يلبثوا " وهو العامل، كأنه قال : متعارفين، والمعنى اجتمعوا متعارفين ". والثاني : أنها حالٌ من مفعول " يَحْشُرهم " أي : يَحْشُرهم متعارفين والعاملُ فعلُ الحشر، وعلى هذا فَمَنْ جوَّز تعدُّدَ الحال جوَّز أن تكونَ " كأَنْ لم " حالاً أولى، وهذه حالٌ ثانية، ومَنْ مَنَعَ ذلك جَعَلَ " كأَنْ لم " على ما تقدم من غيرِ الحالية. قال أبو البقاء :" وهي حالٌ مقدرة لأنَّ التعارفَ لا يكونُ حالَ الحشر ". والثالث : مستأنفةٌ، أخبر تعالى عنهم بذلك قال الزمخشري :" فإن قلت : كأن لم يَلْبثوا ويتعارفون كيف موقعهما؟ قلت : أمَّا الأولى فحالٌ منهم أي : يَحْشُرهم مُشْبهين بمَنْ لم يَلْبث إلا ساعةً، وأمَّا الثانية : فإمَّا أن تتعلق بالظرف يعني فتكون حالاً وإما أن تكونَ مبينةً لقوله : كأن لم يَلْبثوا إلا ساعةً ؛ لأن التعارف لا يبقى مع طول العهد وينقلب تناكراً ".
قوله :﴿ قَدْ خَسِرَ ﴾ فيها وجهان، أحدهما : أنها مستأنفة أخبر تعالى بأن المكذِّبينَ بلقائِه خاسرون لا محالة، ولذلك أتى بحرفِ التحقيق. والثاني : أن يكونَ في محل نصبٍ بإضمارِ قولٍ أي : قائلين قد خسر الذين. ثم لك في هذا القول المقدر/ وجهان، أحدهما : أنه حال مِنْ مفعول " يحشرهم " أي : يحشرهم قائلين ذلك. والثاني : أنه حالٌ من فاعل " يتعارفون ". وقد ذهب إلى الاستئناف والحالية مِنْ فاعل " يتعارفون " الزمخشري فإنه قال :" هو استئنافٌ فيه معنى التعجب كأنه قيل : ما أحشرهم " ثم قال :" قد خَسِر " على إرادة القولِ أي : يتعارفون بينهم قائلين ذلك "، وذهبَ إلى أنها حالٌ من مفعول " يحشرهم " ابن عطية.


الصفحة التالية
Icon