لَمَّا أَنْبَأَ اللهُ رَسُولَهُ بِأَنَّ مِنْ قَوْمِهِ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَذَا الْقُرْآنِ حَالًا وَلَا اسْتِقْبَالًا، إِذْ لَا يَنْفَعُهُمُ الْبَيَانُ مَهْمَا يَكُنْ نَاصِعًا، وَلَا يَنْفَعُهُمُ الْبُرْهَانُ وَإِنْ كَانَ قَاطِعًا، وَأَنَّ الَّذِي عَلَيْهِ فِي الْمُصِرِّينَ عَلَى تَكْذِيبِهِ مِنْهُمْ بَعْدَمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنَ الْآيَاتِ، الَّتِي دَمْغَتْهُمْ
بِالْحُجَجِ الْبَيِّنَاتِ، أَنْ يَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ، وَيَنْتَظِرَ أَمْرَ اللهِ فِيهِمْ، كَانَ مِنْ شَأْنِ هَذَا النَّبَأِ أَنْ يُثِيرَ عَجَبَهُ لِغَرَابَتِهِ فِي نَفْسِهِ، وَأَنْ يَسُوءَهُ لِمَا يُشِيرُ إِلَيْهِ مِنَ انْتِقَامِ اللهِ مِنْهُمْ، بَيَّنَ لَهُ مَثَلَ الَّذِينَ فَقَدُوا الِاسْتِعْدَادَ لِلْإِيمَانِ، وَعَلَّمَهُ مَا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُهُ مِنْ سُنَّةِ اللهِ تَعَالَى فِيهِمْ، وَكَوْنِ مُصِيبَتِهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَلَا حَوْلَ لَهُ وَلَا قُوَّةَ عَلَى هِدَايَتِهِمْ، فَقَالَ :
(وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ) أَيْ يُصِيخُونَ بِأَسْمَاعِهِمْ مُصْغِينَ إِلَيْكَ إِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ، أَوْ بَيَّنْتَ مَا فِيهِ مِنْ أُصُولِ الْإِيمَانِ وَالْأَحْكَامِ، وَلَكِنَّهُمْ لَا يَسْمَعُونَ إِذْ يَسْتَمِعُونَ ; إِذْ لَا يَتَدَبَّرُونَ الْقَوْلَ وَلَا يَعْقِلُونَ مَا يُرَادُ بِهِ. وَلَا يَفْقَهُونَ مَا يَرْمِي إِلَيْهِ ; لِأَنَّ الِاسْتِمَاعَ إِلَيْكَ مَقْصُودٌ عِنْدَهُمْ