وقال الآلوسى :
والمراد بقوله سبحانه :﴿ أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ ءامَنْتُمْ بِهِ ﴾ زيادة التنديم والتجهيل، والمعنى أئذا وقع العذاب وحل بكم حقيقة آمنتم به وعاد استهزاؤكم وتكذيبكم تصديقاً وإذعاناً، وجىء بثم دلالة على زيادة الاستبعاد، وفيه إن هذا الثاني أبعد من الأول وأدخل في الإنكار.
وجوز أن يكون هذا جواب الشرط والاستفهامية الأولى اعتراض، والمعنى أخبروني أن أتاكم عذابه آمنتم به بعد وقوعه حين لا ينفعكم الإيمان، وأصل الكلام على ما قيل : إن أتاكم عذابه بياتاً أو نهاراً ووقع وتحقق آمنتم ثم جىء بحرف التراخي بدل الواو دلالة على الاستبعاد ثم زيد أداة الشرط دلالة على استقلاله بالاستبعاد وعلى أن الأول كالتمهيد له وجىء بإذا مؤكداً بما ترشيحاً لمعنى الوقوع والتحقيق وزيادة للتجهيل وأنهم لم يؤمنوا إلا بعد إن لم ينفعهم البتة، وهذا الوجه مما جوزه الزمخشري.
وتعقب بأنه في غاية البعد لأن ثم حرف عطف لم يسمع تصدير الجواب به والجملة المصدرة بالاستفهام لا تقع جواباً بدون الفاء وأجيب عن هذا بما مر.
وأما الجواب عنه بأنه أجرى ﴿ ثُمَّ ﴾ مجرى الفاء فكما أن الفاء في الأصل للعطف والترتيب وقد ربطت الجزاء فكذلك هذه فمخالف لإجماع النحاة، وقياسه على الفاء غير جلي ولهذه الدغدغة قيل : مراد الزمخشري أنه يدل على الجواب والتقدير إن أتاكم عذابه أمنتم به بعد وقوعه وما في النظم الكريم معطوف عليه للتأكيد نحو ﴿ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾ [ التكاثر : ٣، ٤ ] وتعقب بأنه لا يخفى تكلفه فإن عطف التأكيد بثم مع حذف المؤكد مما لا ينبغي ارتكابه ولو قيل : المراد إن ﴿ أَمِنتُمْ ﴾ هو الجواب و﴿ أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ ﴾ معترض فالاعتراض بالواو والفاء وأما بثم فلم يذهب إليه أحد، وبالجملة قد كثر الجرح والتعديل لهذا الوجه ولا يصلح العطار ما أفسد الدهر.