وقال الآلوسى :
﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ (٥٠) ﴾
﴿ قُلْ ﴾ لهم بعد ما بينت لهم كيفية حالك وجريان سنة الله تعالى فيما بين الأمم على الإطلاق ونبهتهم على أن عذابهم أمر مقرر محتوم لا يتوقف إلا على مجىء أجله المعلوم إيذاناً بكمال دنوه وتنزيلاً له منزلة إتيانه حقيقة ﴿ قُلْ أَرَءيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ ﴾ الذي تستعجلون به ولعل استعمال ﴿ إن ﴾ من باب المجاراة ﴿ بَيَاتًا ﴾ أي وقت بيات ﴿ أَوْ نَهَارًا ﴾ أي عند اشتغالكم بمشاغلكم وإنما لم يقل ليلاً ونهاراً ليظهر التقابل لأن المراد الإشعار بالنوم والغفلة والبيات متكفل بذلك لأنه الوقت الذي يبيت فيه العدو ويوقع فيه ويغتنم فرصة غفلته وليس في مفهوم الليل هذا المعنى ولم يشتهر شهرة النهار بالاشتغال بالمصالح والمعاش حتى يحسن الاكتفاء بدلالة الالتزام كما في النهار، وقد يقال : النهار كله محل الغفلة لأنه إما زمان اشتغال بمعاش أو زمان قلولة بخلاف الليل فإن محل الغفلة فيه ما قارب وسطه وهو وقت البيات فلذا خص بالذكر، والبيات جاء بمعنى البيتوتة وبمعنى التبييت كالسلام بمعنى التسليم والمعنى المراد هنا مبني على هذا ﴿ مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ المجرمون ﴾ أي أي شيء يستعجلون من العذاب وليس شيء منه يوجب الاستعجال لما أن كله مكروه مر المذاق موجب للنفار، فمن للتبعيض والضمير للعذاب والتنكير في شيء للفردية، وجوز أن يكون المعنى على التعجب وهو مستفاد من المقام كأنه قيل : أي هول شديد يستعجلون منه، فمن بيانية وتجريدية بناءً على عد الزمخشري لها منها، وقيل : الضمير لله تعالى، وعليه فالمعنى على الثاني ولكن تزول فائدة الإبهام والتفسير وما فيه من التفخيم.