قال القاضي أبو محمد : ولا وجه عندي لشيء من هذا التخصيص إلا أن يستند منه شيء إلى النبي صلى الله عليه سلم، وإنما الذي يقتضيه اللفظ ويلزم منه، أن " الفضل " هو هداية الله تعالى إلى دينه والتوفيق إلى اتباع الشرع، و" الرحمة " : هي عفوه وسكنى جنته التي جعلها جزاء على التشرع بالإسلام والإيمان به، ومعنى الآية : قل يا محمد لجميع الناس :﴿ بفضل الله وبرحمته ﴾ فليقع الفرح منكم، لا بأمور الدنيا وما جمع من حطامها، فالمؤمنون يقال لهم فلتفرحوا، وهم متلبسون بعلة الفرح وسببه، ومحصلون لفضل الله منتظرون الرحمة، والكافرون يقال لهم :﴿ بفضل الله وبرحمته ﴾ فلتفرحوا، على معنى أن لو اتفق لكم أو لو سعدتم بالهداية إلى تحصيل ذلك، وقرأ أبي بن كعب وابن القعقاع وابن عامر والحسن على ما زعم هارون ورويت عن النبي ﷺ " فلتفرحوا "، و" تجمعون " بالتاء فيهما على المخاطبة، وهي قراءة جماعة من السلف كبيرة، وعن أكثرهم خلاف، وقرأ السبعة سوى ابن عامر وأهل المدينة والأعرج ومجاهد وابن أبي إسحاق وقتادة وطلحة والأعمش : بالياء فيهما على ذكر الغائب، ورويت عن الحسن بالتاء من فوق فيهما، وقرأ أبو التياح وأبو جعفر وقتادة : بخلاف عنهم وابن عامر بالياء في الأولى وبالتاء في الآخرة، وقرأ الحسن بن أبي الحسن وجماعة من السلف ورويت عن النبي ﷺ بالياء في الأولى وفي الآخرة، ورويت عن أبي التياح، وإذا تأملت وجوه ذلك بانت على مهيع الفصيح من كلام العرب ولذلك كثر الخلاف من كل قارىء، وفي مصحف أبي بن كعب، " فبذلك فافرحوا " وأما من قرأ " فلتفرحوا " فأدخل اللام في أمر المخاطب فذلك على لغة قليلة، حكى ذلك أبو علي في الحجة، وقال أبو حاتم وغيره : الأصل في كل أمر إدخال اللام إذا كان النهي بحرف فكذلك الأمر، وإذا كان أمراً لغائب بلام، قال أبو الفتح : إلا أن العرب رفضت إدخال اللام في أمر المخاطب