والثاني : منهما قوله تعالى :﴿وَمَا نتلوا منه من قرآن﴾ واختلفوا في أن الضمير في قوله :﴿مِنْهُ﴾ إلى ماذا يعود ؟ وذكروا فيه ثلاثة أوجه : الأول : أنه راجع إلى الشأن لأن تلاوة القرآن شأن من شأن رسول الله ﷺ، بل هو معظم شأنه، وعلى هذا التقدير، فكان هذا داخلاً تحت قوله :﴿وَمَا تَكُونُ فِى شَأْنٍ﴾ إلا أنه خصه بالذكر تنبيهاً على علو مرتبته، كما في قوله تعالى :﴿وَمَلئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وميكال﴾ [ البقرة : ٩٨ ] وكما في قوله :﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النبيين مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِن نُّوحٍ وإبراهيم﴾ [ الأحزاب : ٧ ] والثاني : أن هذا الضمير عائد إلى القرآن والتقدير : وما تتلو من القرآن من قرآن، وذلك لأن كما أن القرآن اسم للمجموع، فكذلك هو اسم لكل جزء من أجزاء القرآن والإضمار قبل الذكر، يدل على التعظيم.
الثالث : أن يكون التقدير : وما تتلو من قرآن من الله أي نازل من عند الله.
وأقول : قوله :﴿وَمَا تَكُونُ فِى شَأْنٍ وَمَا تَتْلُواْ مِنْهُ مِن قُرْءانٍ﴾ أمران مخصوصان بالرسول صلى الله عليه وسلم.
وأما قوله :﴿وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ﴾ فهذا خطاب مع النبي ومع جميع الأمة.
والسبب في أن خص الرسول بالخطاب أولاً، ثم عمم الخطاب مع الكل، هو أن قوله :﴿وَمَا تَكُونُ فِى شَأْنٍ وَمَا تَتْلُواْ مِنْهُ مِن قُرْءانٍ﴾ وإن كان بحسب الظاهر خطاباً مختصاً بالرسول، إلا أن الأمة داخلون فيه ومرادون منه، لأنه من المعلوم أنه إذا خوطب رئيس القوم كان القوم داخلين في ذلك الخطاب.
والدليل عليه قوله تعالى :
﴿يأيُّهَا النبى إِذَا طَلَّقْتُمُ النساء﴾ [ الطلاق : ١ ] ثم إنه تعالى بعد أن خص الرسول بذينك الخطابين عمم الكل بالخطاب الثالث فقال :﴿وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ﴾ فدل ذلك على كونهم داخلين في الخطابين الأولين.


الصفحة التالية
Icon